منصورات يا نساء المنصورة!

أمل المهندس - مديرة
برنامج المدافعات عن حقوق الإنسان

تدوينة

11 أبريل 2013

بالرغم من أن والدي من المنصورة، وعيت على الدنيا وهو مغترب عنها، وكنت قد ذهبت معه في زيارة لعائلته هناك مرة واحدة وأنا صغيرة في السن، ولم يكن لدي أي صلة بمدينة المنصورة منذ ذلك الحين.  كبرت وتمركز في ذهني المُعتقد بأن القاهرة هي محور الأحداث والمرافق الهامة والثقافة والتعليم، وما إلى ذلك. علمت بعد ذلك أن هذا هو ما يُعرف بالمركزية، ولكن لم أعير ذلك أي اهتمام. على نفس الصعيد، معظم الأخبار والفعاليات المتعلقة بالثورة تمركزت حول القاهرة، والتركيز دائماً على شبكات التواصل الاجتماعي يكون على ناشطات ونشطاء القاهرة، ودائماً ما يتبادل الجميع الحديث عن الانتهاكات الصارخة التي يمارسها المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، متمحورة حول ما يحدث بالقاهرة، ومن حين إلى آخر، يتحدث البعض عن بعض الانتهاكات البسيطة التي تحدث في محافظات أخرى. فميدان التحرير هو عاصمة الثورة، مثلما القاهرة هي عاصمة البلاد ويتوافد الجميع إليها من المحافظات لتحقيق أحلامهم في التعليم والعمل، هاربين من فقر وتأخر المحافظات الأخرى.

شهد شهر فبراير 2013 أحداث متلاحقة ومتنوعة مرتبطة بمحاولات لعصيان مدني ببعض المحافظات، ومنهم محافظتي بورسعيد والمنصورة. وفي يوم 12 مارس 2013 ذهبت أنا وزميلة لي لزيارة النساء والناشطات اللاتي تعرضن للضرب والاعتداءات من ميليشيات الإخوان المسلمين وقوات الأمن الشرطية والتحدث إليهن عن تجاربهن. ذهبنا لمقر التيار الشعبي بالمحافظة وبمجرد أن وطأت قدماي بالمقر، تنفست عبير آثار ما بعد المعركة، رائحة غريبة في الجو لا يمكن وصفها ولكن يتعرف عليها فوراً من شهد معارك واشتباكات لنيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية... آثار تحطم النوافذ والأبواب جلية في الطرقات، وفوارغ الأدوية وأدوات الإسعافات الأولية في أركان الغرف، شاهدة على محاولات اقتحام المقر وتحطيمه من قبل ميليشيات مرسي وأفراد الشرطة والأمن المركزي. جلسنا مع عدة نساء، تتراوح أعمارهن من العشرينيات إلى السبعينيات، جميعهن يتحدثن بإصرار شديد عن ضرورة تحقيق أهداف الثورة، وعدم الاستكانة والرضوخ لسرقتها والالتفاف حولها. وبنفس الإصرار والقوة والصلابة، حاكين عن الاعتداءات والانتهاكات الصارخة التي تعرضن لها، سواء كانت ضربهن بالحجارة على وجوههن، أو استهدافهن بوابل من قنابل الغاز المسيلة للدموع، أو البصق عليهن وسبهن  بأبشع الألفاظ أو التحرش بهن ولمس صدورهن لترويعهن وإبعادهن عن المشاركة في ممارسة حقهم في التظاهر السلمي. تحدثن عن تلك الأحداث بقوة وصلابة وفخر، وليس كضحايا يبحثن عن من يستطيع تضميد جراحهن النفسي إزاءها، روين ازدياد إيمانهن بنشاطهن كمدافعات عن حقوق الإنسان وبعضهن يحملن أطفالهن على أكتافهن، وهن يجلسن في غرفة صغيرة. وكلما كان يطرق أحد الرجال من أعضاء التيار أو المترددين عليه باب الغرفة التي كنا نجلس بها، كن  ينظرن خلسة من جزء صغير من الباب ويغلقونه فوراً، وكأنهم يحمون أنفسهم  بالطاقة النسوية الثورية المتدفقة من داخل الغرفة!.

في طريقي للعودة إلى القاهرة، تأملت في حكاياتهن، وتلألأت أمام عيني بريق الانتصار في عينين إحداهن وهي تروي عن وقوفها أمام مدرعة الأمن المركزي متصدية لها، وتذكرت المشهد المعروف في الثمانية عشرة اليوم الأولى للثورة وتصدى أحد الرجال لنفس المدرعة بكوبري قصر النيل، وتخلل بداخلي شعور عارم بالفخر بهن، وكم أنا محظوظة بلقائي بهن، وخجلت من نفسي من تصوري الساذج إزاء الزخم الثوري في القاهرة وعدم وجود ذلك في المحافظات. أيقنت أن مدافعات المحافظات مصدر إلهام لجميع مناضلات ومناضلي البلاد... المجد لمناضلات المنصورة، ومنصورات بإذن الله!.

رابط دائمhttp://www.nazra.org/node/213