عن مدرسة الكادر السياسي للنساء

خلود جمعة - منسقة
أكاديمية المشاركة السياسية للنساء
إلهام عيداروس

تدوينة

17 نوفمبر 2014

نظمت «نظرة للدراسات النسوية» مدرسة الكادر السياسي للنساء لمدة ستة أيام دراسية كاملة في الفترة من 25 إلى 30 سبتمبر وشارك فيها 25 عضوة حزبية من عمر 21 إلى 35 عاما تقريبًا، من مختلف المحافظات بنسبة 75% من خارج القاهرة الكبرى. المشاركات عضوات فاعلات في مجموعة متنوعة من الأحزاب داخل الطيف السياسي الديمقراطي بتنويعاته الليبرالية (مصر الحرية والمصريين الأحرار) واليسارية (التحالف الشعبي والعيش والحرية "تحت التأسيس") مرورا بالوسط حيث توجد أحزاب ذات خلفيات قومية أو ليبرالية كأحزاب الكرامة والتيار الشعبي "تحت التأسيس" والمصري الديمقراطي الاجتماعي والدستور.

 

جاء تنظيم هذه المدرسة في إطار اهتمامنا بمسألة النساء والسياسة سواء من حيث مشاركتهن أو من حيث طرح قضاياهن في المجال السياسي وعلى أجندة التنظيمات السياسية. فوجود النساء في المجال السياسي يواجه تحديات وإشكاليات جسام، منها العادات والتقاليد التي ربما قبلت أن تخرج النساء للمجال العام للضرورة (التعليم والعمل مثلًا) لكن ليس بنفس الدرجة للنشاط الطوعي "غير الضروري" المتعلق بتحقيق أهداف ورؤى في المجتمع أكثر منه تحقيق مصلحة أو حاجة مباشرة، مما يحد من درجة دعم الأسرة مثلا لانخراط النساء في العمل العام إلا فيما ندر. وإن كان ما اكتشفناه رغم ذلك أن القبول المجتمعي لمشاركة النساء في الأحزاب كبنى رسمية ومنضبطة وربما "محافظة" بعض الشيء أكبر منه لمشاركتهن في بنى غير رسمية مثل الحركات أو المبادرات.

 

من التحديات أمام مشاركة النساء أيضا، أن الأحزاب ـ حتى التقدمية منها أو التي تتبنى حقوق النساء في برامجها ـ هي بنى ذكورية كمعظم مؤسسات المجتمع تتدنى فيها نسب مشاركة النساء أو يتم حصرهن في أدوار نمطية وتنتشر فيها النظرة الاستعلائية التي كثيرا ما تتوقع منهن الفشل أو محدودية القدرات، خاصة كلما كن من خلفيات طبقية أبسط أو من مناطق جغرافية أبعد عن العاصمة.

 

من جانب آخر، التثقيف السياسي في مصر ضعيف، فقليلة هي الأحزاب التي تضع برامج تثقيفية دورية أو تراكمية لأعضائها، وتضعف مشاركة النساء في تلك البرامج بسبب القيود المتوقعة على حركتهن وعلى الوقت الذي يفرغنه للعمل الحزبي وقدرتهن على السفر والمبيت خارج المنزل مقارنة بالرجال. والأكثر ندرة من هذا أن تجد أحزاب تطرح قضايا النساء كجزء من البرنامج التثقيفي، فتحرص على شرح وجهة نظر الحزب في قضايا المرأة ومن خلال برنامجه وتوجهه الأيدولوجي للأعضاء والعضوات.

 

لذلك، كان لهذه المدرسة هدف مزدوج وهو أولًا: تقوية معارف ومهارات عضوات الأحزاب الضرورية في عملهن تنظيميًا وسياسيًا ليستطعن لعب أدوار أكثر فاعلية من الموكلة عادة للنساء في الأحزاب، وثانيا: العمل على أن تصبح هؤلاء النساء أكثر حساسية ووعيًا بقضايا النوع في عملهن السياسي. لكننا كنا مدركين تماما أن هذه المدرسة ليست مدرسة نسوية معنية بتقديم الفكر النسوي وعرض مدارسه وتطبيقاته.. إلخ. فالحركة السياسية الديمقراطية (وخاصة في شكلها الحزبي المحدد) والحركة النسوية (التي تأخذ أشكالًا تنظيمية متنوعة) مستقلتان في إطار النضال الديموقراطي والاجتماعي الأوسع، لكنهما في الحقيقة ـ رغم استقلاليتهما عن بعض ـ شديدتا الاتصال، وتحتاجان لجسر يجعلهما متواصلتان ومتأثرتان ببعضهما وقادرتان على التحالف والتعاون، بل والفرز السياسي أحيانًا، في إطار سعي كل منهما باتجاه مجتمع أكثر ديموقراطية وعدالة تتمتع فيه النساء والرجال بحقوق كاملة. فربما تأخذ هؤلاء السياسيات الشابات خطوات مفتقدة على اتجاه بناء هذا الجسر.

 

لكن التجربة فاجأتنا بوجود وعي نسوي قوي لدى العديد من تلك الكوادر الحزبية، وعي ربما لم يُبنى على قراءات وتدريبات نظرية وإنما على اختبار الممارسات والأبنية الذكورية في تجارب حية للعمل الحزبي، بالإضافة إلى انخراط عدد من المشاركات بالفعل في مبادرات نسوية محلية، سواء حاليًا بالتوازي مع نشاطهن الحزبي أو قبل انخراطهن في الحزب، فالمشاركات هن بنات الحركة الديمقراطية المصرية بأشكالها المختلفة ممن عرفن العمل العام خلال فترة لا تتجاوز سنوات الثورة الأربع وأعوام قليلة قبلها، في إطار الحراك الديمقراطي في آخر سنوات حكم مبارك. وهي السنوات التي تفجرت فيها في المجتمع أفكار ومبادرات ألهمت الكثير من النساء للمشاركة وفاجأتهن بتحديات هذه المشاركة وأثمانها الغالية.

 

المشاركات في المدرسة لم يكن من القيادات العليا للأحزاب سواء على المستوى المركزي أو المحلي، بل هن إما قيادات وسطى محلية أو كوادر فاعلة ـ وإن لم يكن قيادات ـ في مهام مركزية. وهذه المواقع التنظيمية تجعل العمل السياسي بالنسبة لهن عبارة عن تجارب مباشرة مع الجمهور والمؤسسات، تجارب من لحم ودم، بعيدًا عن الصراع الفكري والسياسي الذي يسم السياسة في المركز، وتجعلهن أيضا بعيدات عن الانخراط في الصراع المركزي على قضايا النساء، فالكثيرات منهن لم يعرفن أن أحزابهن تشارك في تنسيقيات متعلقة بقضايا النساء، مثل: اللجنة الدائمة للمرأة أو تنسيقية نساء مصر أو مجموعة النساء والدستور، أو أن قيادات أحزابهن كان لهم أطروحات في قضايا مثل مواجهة العنف الجنسي. فهذه صراعات أو قضايا تدار بشكل شديد المركزية في العاصمة، رغم أنهن في معاركهن البعيدة في المواقع والمحافظات المختلفة كن في أشد الحاجة إليها وربما كان انخراطهن في المعارك المركزية الدائرة بشأنها يساهم في تجذير حركة أوسع لدعمها.

 

تضمن برنامج المدرسة معارف سياسية أساسية لأي كادر سياسي، مثل: معرفة التيارات السياسية المختلفة وأصولها الفكرية واختلاف مداخل كل منها لقضايا النساء، فمما لاحظناه أن بعض المشاركات من أحزاب تُعتبر ليبرالية لا يعرفن ما هي الليبرالية بمفهومها الكلاسيكي أو لا يعرفن فيم تختلف الليبرالية مع اليسار مثلًا، والعكس صحيح. تضمنت الموضوعات أيضًا تاريخ النساء في الحياة السياسية المصرية وتاريخ الحركة النسوية المصرية الغائب تماما عن المناهج التعليمية الرسمية أو مناهج التثقيف الحزبي، وتعريف الوظائف الأساسية للتنظيم الحزبي، وتاريخ الحياة الحزبية في مصر، وقانون الأحزاب، وقراءة لوائح الأحزاب، وكيفية جعل التنظيم الحزبي حساسًا للنوع الاجتماعي، والآلية الوطنية للمرأة سواء في العالم أو في السياق المصري، ونقاشات عن الوضع السياسي الراهن وحقوق النساء في إطاره. شارك في المدرسة محاضرون ومتحدثون من خلفيات فكرية وسياسية متنوعة أكثر ما يميزهم الخبرة الكثيفة في مجالاتهم ولعب دور بارز في النضال الديموقراطي والنسوي في مصر.

 

أكثر ما كان مقلقًا لنا هو أن تخرج النساء من المدرسة حانقات على الحياة الحزبية أو أن تترسخ لديهن قناعات بأنها بنى ذكورية لا أمل في إصلاحها بناء على تكرار سماع نفس التجارب والشكاوى من تحيزات أو ممارسات ذكورية في التنظيمات المختلفة برغم اختلافاتها الأيدولوجية والبنائية. لكن هذا لم يحدث، فقد خرجت تلك النساء أكثر إصرارًا وتمسكًا بالعمل الحزبي، وأكثر رغبة في جعله حساسًا لقضاياهن واحتياجاتهن كنساء وككوادر حزبية، أو هكذا نأمل مما عشناه مع هؤلاء السياسيات الشابات المكافحات في ستة أيام رائعة.

 

* تم نشر هذه المقالة على موقع مدى مصر بتاريخ 17 نوفمبر 2014.

رابط دائمhttp://www.nazra.org/node/372