المرأة في الدستور "مقهورة ومعيلة ومطلقة وأرملة": كلهن سواء

نهى رشدي
استشارية - برنامج العنف المجتمعي وسياسات الأمن البديل

تدوينة

3 ديسمبر 2012

مع اختلاف الحالات تشترك هذه الإشارات لحالة "تابع" فالمرأة "مفعول به" دائماً ولا تظهر كفرد مستقل في هذا العقد الاجتماعي المصري الجديد

تنص المادة 73 من الدستور المطروح للاستفتاء أن "يحظر كل صور القهر، والاستغلال القسري للإنسان، وتجارة الجنس. ويجرم القانون كل ذلك".  بطبيعة الأمر لا ينتبه الرأي العام المعترض علي هذا الدستور المقترح لتلك المادة حيث أن حظر القهر والاستغلال القسري فعل محبوب (كان النص المطروح في المسودات الأولية للدستور يشمل بالتحديد الاتجار بالنساء و الأطفال دون الرجال) و يا حبذا لو شمل تجارة الجنس. ولكن من الملفت أن تظهر مادة في باب الحقوق والحريات في الدستور تنص بعدم دستورية نشاط تجاري مجرم فعلياً في القانون المصري وهو تجارة الجنس. وهناك عدة تساؤلات تجاه المغزى من ذكر تجارة الجنس في وثيقة العقد الاجتماعي المصري الجديد أولها عن موقف القانون الجنائي تجاه تجارة الجنس.

في الواقع لم يجرم القانون الجنائي المصري في نصه تجارة الجنس بشكل صريح. فالقانون رقم 10 لسنة 1961 الخاص بمكافحة الدعارة لا يشمل ضمن مواده الـ 15 تعريفا للفجور والدعارة ولا تظهر عناصر الجريمة -وهي اعتياد الدعارة مع الغير بدون تمييز بمقابل مادي- إلا في نصوص الأحكام، غير أن المقابل المادي لا يعتبر ضرورياً في كل الحالات.

فمحاكمة وحبس المثليين جنسياُ أو المشتبه بهم كان و لازال يتم بناء علي نص القانون الأصلي حيث لا يعتبر المقابل المادي (أو العنصر التجاري) شرط لثبوت الجريمة علي المتهمين كما أنه من الجدير بالذكر أن القانون الجنائي يشمل بالإضافة لقانون مكافحة الدعارة مواد متعددة لتقييد حرية الحركة والتعبير والتي تستخدم بشكل مكثف ضد بعض النساء والمهمشين اجتماعيا، مثل العاملات في مجال السياحة والآتي يشتبه رجال الأمن في سلوكهن (أو يستغل وضعهم الاجتماعي الضعيف)، كما تستخدم ضد المتحولين والمتحولات جنسياً. فالمادة 269 مكرر من قانون العقوبات تعاقب بالحبس "كل من وجد في طريق عام أو مكان يحرض المارة علي الفسق بإشارات أو أقوال" كما تختص المادة 278 بالأفعال المخلة بالحياء وتعني المادة 178 بتواصل مواد خادشة للحياء العام عن طريق النشر أو الحيازة بغرض الاتجار أو العرض، إلخ. وليس متوقع أنه باعتبار تجارة الجنس نشاط غير دستوري سيتم محاسبة مشتري هذا الجنس مثلاً فطالما ليس هناك تعديلاً علي القانون يبقي الوضع علي ما هو عليه فلا تعاقب إلا المرأة في حالات الجنس بين الرجل والمرأة و يعاقب الطرفين في حالات الجنس المثلي.

ولكن ذكر تجارة الجنس دون غيرها من الأشكال المتعددة للتجارة الغير قانونية في الدستور الجديد تجسد حالة الهوس بالجنس وتعد محاولة بائسة وغير لائقة بالمرة لرسم صورة أخلاقية محافظة وانتقائية عن المجتمع المصري.

وتختلف تجارة الجنس عن تجارة المخدرات أو تجارة الأسلحة بغرض الشروع في أعمال إرهابية أو التجارة في أغذية فاسدة مثلا (وكلها تمارس في مصر وشكلت أزمة اجتماعية وسياسية أكبر من تجارة الجنس). فافتراض أن تجارة الجنس تمارسها النساء في المقام الأول وبالتالي ربطها المشرع بحالة القهر والاستغلال في هذه المادة لنفهم من ذلك أنه علي عكس الأشكال المتعددة والمختلفة للتجارة المحظورة لا تعتبر المرأة التي تتاجر بالجنس "مسئولة عن جريمتها" ولكنها مقهورة ويتم استغلالها من أجل تحقيق مصالح أشخاص آخرين. و كان من الأوقع أن تشمل هذه المادة التي تتعرض لحالات القهر إشارة للاغتصاب التي تتعرض له النساء داخل وخارج مؤسسة الزواج، أو لختان الإناث دون بلوغهم سن الرشد، هذا لو كان القهر حقيقة ما يعني كاتبي هذه المادة. 

والخلاصة أنه لا يختلف هذا التصور للمرأة "المذنبة" في المادة 73 عن تصوير المرأة في مواد الدستور المختلفة. فتأتي النساء أولاً كـ "شقائق للرجال وشريكات في المكتسبات والمسئوليات الوطنية" (في الديباجة) ثم كـ "أم" ومعيلة للأسرة ومطلقة وأرملة (في المادة 10). مع اختلاف الحالات تشترك هذه الإشارات لحالة "تابع" فالمرأة "مفعول به" دائماً ولا تظهر كفرد مستقل في هذا العقد الاجتماعي المصري الجديد. وفي النهاية يأتي هذا التصوير متناسقاً مع مفهوم المواطنة المطروح في الوثيقة التي اختارت اللجنة التأسيسية للدستور أن تسقط عنها مبدأ عدم التمييز "بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة" (المادة 33).

رابط دائمhttp://www.nazra.org/node/168