قراءة في التغيرات السياسية والاجتماعية في مصر بين 2011-2018: أجساد النساء بين الحراك والانتهاك

أجساد النساء بين الحراك والانتهاك

ورقة بحثية

12 مارس 2018

مقدمة:

في إطار حملة "موجة حرة" التي تطلقها نظرة للدراسات النسوية ابتداء بيوم المرأة العالمي (8 مارس) وانتهاء بيوم المرأة المصرية (16 مارس) ، تحاول نظرة قراءة التطورات التي طرأت على الاسئلة المرتبطة بأجساد النساء في المجالين الخاص والعام خلال السنوات الماضية. وذلك إيماناً منها بأن المعارك التي تخوضها النساء المصريات في المجالات المختلفة مرتبطة بشكل أصيل بسؤال أجساد النساء في مواجهة الأبوية السياسية والاجتماعية والثقافية التي لا تحول فقط دون امتلاك النساء لأجسادها، بل تسمح في أوقات كثيرة بالتطبيع مع الانتهاكات وأشكال العنف المختلفة التي تتعرض لها تلك الأجساد.

تسعى هذه الورقة للإجابة على السؤال المرتبط بما إذا كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 والسنوات التي تلتها قد أثرت على الأسئلة الخاصة بأجساد النساء في مصر، حيث تعمل الورقة على قراءة المساحات التي خلقتها ثورة يناير وما ترتب عليها من حراك اجتماعي وسياسي على مدار السبع سنوات الماضية، وكيف يمكن أن تكون قد استفادت النساء بشكل عام والمجموعات النسوية بشكل خاص من تلك المساحات للدفع بالأسئلة المجتمعية المرتبطة بأجساد النساء، وبعلاقة تلك الأجساد بالمجال العام، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك المجال العام يشهد واحداً من أكثر أنماط غلقه شدة وتضييقاً على النساء.

تعتمد هذه الورقة على مساهمة د. هالة كمال من خلال "لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها" (1) في توضيح مدى ارتباط الموجة النسوية الرابعة في مصر والتي بدأت منذ يناير 2011 بسؤال أجساد النساء. كذلك تستعين الورقة بمساهمات معرفية نسوية واجتماعية معاصرة في قراءة العلاقة بين التغيرات السياسية والاجتماعية في السبع سنوات الماضية، وبين التغيرات التي طرأت على منظومة الأبوية في مصر والرجوليات المرتبطة بها، حيث تقدم الورقة تحليلاً لأشكال العنف الناتجة عن تلك التغيرات وكيف عمل ذلك العنف، والذي كان في معظم الأحوال جنسياً، على استهداف أجساد النساء في محاولات لإقصائها خارج المجال العام. إن الحديث عن الترابط العميق بين المتغيرات السياسية والاجتماعية في مصر على مدار السبع سنوات الماضية وبين الأسئلة المرتبطة بالنساء وأجسادها ونضالاتها لأجل سلامتها وكرامتها الجسدية، لا يعني بأي حال من الأحوال أن تلك الأسئلة لم تكن موجودة قبل ثورة يناير 2011 مثلما لا يعني أيضاً أن معركة النساء للدفع بأجسادها في المجال العام لم تبدأ إلا يوم الخامس والعشرين من يناير 2011. المقصود في هذه الورقة التحليلية هو أن هذا الترابط وتلك المواجهة بين أجساد النساء وبين المجال العام بلغت ذروة حدتها بل وعنفها في كثير من الأحيان خلال السبع سنوات الماضية. وبينما تتفق الورقة مع ما تطرحه د. كمال حول الدور الذي لعبته قضية العنف الجنسي في الدفع بسؤال أجساد النساء إلى طاولة النقاشات الاجتماعية والسياسية في مصر، إلا أن الورقة ستعمل أيضاً على توضيح كيفية استفادة النسويات الشابات والمجموعات النسوية الشابة، واللائي يشكلن الموجة النسوية الرابعة في مصر، من مساحات ما بعد الثورة للعمل على حراك مجتمعي وسياسي حول أجساد النساء وحقوقها وسلامتها الجسدية والجنسية ومن خلال آليات تربط إشكاليات تلك الأجساد في المجالين الخاص والعام ببعضهما البعض.

 

كيف قرأت أجساد النساء المجال العام في ال18 يوماً وما بعدها؟


تبدأ الورقة بالنظر على كيفية قراءة أجساد النساء المصريات للمجال العام بوجه عام، وميدان التحرير بشكل خاص، خلال مظاهرات واعتصام ال18 يوماً الأولى من ثورة يناير 2011، حيث يحاول هذا الجزء توضيح الأسباب التي بناء عليها يتم التعامل مع تواجد النساء في ميدان التحرير خلال أيام الثورة الأولى باعتباره لحظة تحول في تاريخ علاقة أجسادهن بالمجال العام في مصر. كذلك يركز هذا الجزء على الأدوار التي لعبتها النساء المصريات في الثورة والتي ساهمت في رسم خريطة توقعاتهن بأن يكون لقضاياهن أولوية في حراك ما بعد الثورة.

"طالما تواجدت النساء جنباً إلى جنب الرجال في الميدان، يهفتن، يستمعن إلى الناس، يكتبن الخطابات، يوزعن الطعام وينفذون اللافتات الحماسية، يداوين المصابين ويسعين للحفاظ على هذه الحالة من التضامن والمقاومة بين الناس. كان هناك مئات بل آلاف النساء يساهمن في توفير الطعام والأدوية واللافتات وكذلك في تنظيم المسيرات وشحذ الهمم لصالح الحراك بشكل عام. لم يكن هناك اختلافات تذكر بين النساء المحجبات أو غير المحجبات، بين الأمهات وبين من النساء المستقلات، بل وبين الشابات والنساء الكبيرة في السن" (2). هكذا وصفت د. هانيا شلقامي بعضاً من ملامح الدور الذي لعبته النساء المصرية في ثورة 25 يناير 2011 وبالتحديد خلال اعتصام ال18 يوماً بميدان التحرير. في إطار محاولتها لطرح تصوراتها عن كيف يمكن للنساء المصريات بشكل عام والنسويات منهن بشكل خاص الاستفادة من الأدوار التي لعبنها خلال الثورة لخلق مساحات لهن في الحراك السياسي تسعى لدعم قضاياهن، تلقي د. شلقامي الضوء على التواجد المكثف لأجساد النساء في قلب المظاهرات والاعتصامات وخاصة خلال ال18 يوم. وفقاً ل د. شلقامي، فإن تلك اللحظة الثورية كانت واحدة من أهم اللحظات التحررية بالنسبة للنساء المصريات بشكل عام وللحراك النسوي في ارتباطه بالحراك السياسي والاجتماعي بشكل خاص، فلأول مرة منذ سنوات طويلة تشعر النساء المصريات وكأن أجسادهن مرحب بها في المجال العام. وهو الأمر الذي كان محفزاً لهن ليس فقط لكي يشاركن في ذلك الحراك الثوري باعتبارهن جزء أصيل منه كمواطنات مصريات، وإنما أيضاً لكي يتوقعن أن يجدن لأنفسهن مساحات في التحركات السياسية والاجتماعية المختلفة بعد الثورة.

لم يكن هذا التواجد المكثف لأجساد النساء في المجال العام جديداً ، فكما تقول الباحثة النسوية "لوسيا سوربيرا" (3)، والتي تابعت عن قرب السنوات الأولى للثورة في مصر، فإن التاريخ المعاصر للنساء المصريات عبارة عن محاولات مستمرة لإعادة صياغة علاقة أجسادهن بالمجال العام. فرغم أبوية ذلك المجال العام ورغم محاولاته المضنية لإقصاء تلك الأجساد عنه، إلا أن هؤلاء النساء ناضلن لسنوات طويلة لكي يخلقن لأنفسهن مساحات به بشكل عام ولكي يكونوا جزءاً من أي حراك وطني أو سياسي أو مجتمعي، بل ولكي تكون لهن أدوار فاعلة ومؤثرة في الحركات السياسية المختلفة. إلا أن سوربيرا تعود لتؤكد على أن تواجد أجساد النساء في ميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011 بدا وكأنه نقطة مختلفة في مسار علاقتهن بالمجال العام إلى الحد الذي دفع بعض هؤلاء النساء للقول بأنهن شعرن وكأن تاريخ التمييز الأبوي ضدهن قد تم تعطيله أثناء تواجدهن في الميدان أو أن الثورة بالنسبة لهن كانت ثورة شخصية ايضاً، وهو الأمر الذي وضعته سوربيرا موضع تساؤل في محاولتها لتحليل مدى اختلاف علاقة النساء بالمجال العام المصري بعد 25 يناير 2011.

مما سبق يبدو واضحاً أن حالة التضامن التي كانت سائدة في ميدان التحرير خلال المظاهرات الأولى واعتصام ال18 يوماً ترتب عليها تصورات توحي بأن المجال العام وقتها كان محتفياً بتلك الكثافة الجسدية للنساء وبالأدوار التي لعبنها في الثورة، وبالرغم من ذلك هناك سؤال مازال في حاجة للإجابة عليه:هل كانت تلك الحالة من "التضامن" و"المساواة" كافية لكي تجعل قراءة أجساد النساء المصريات لتلك المظاهرات والاعتصامات قادرة على إذابة حواجز الإقصاء التي طالما وقفت بينها وبين المجال العام؟ لم يكن قرار تلك الأجساد بالتواجد في الثورة المصرية قراراً سهلاً على الإطلاق، فبالإضافة لأبوية المجال العام التي تحدثت عنها سوربيرا وتمييزها ضد النساء سياسياً ومجتمعياً، سبق ذلك التواجد خلال سنوات ما قبل الثورة عنفاً جنسياً عمل على استهداف أجساد النساء، سواء كان المقصود به العنف الذي يتم استخدامه من قبل النظام السياسي كما حدث مع الصحفيات والمتظاهرات أمام نقابة الصحفيين في الخامس والعشرين من مايو 2005 (4)، أو كان المقصود به الاعتداءات الجنسية الجماعية التي كانت تتعرض لها النساء والفتيات المصريات في الأعياد وفي الاحتفالات المختلفة (5). بناء على ذلك، فإن ما تردد عن انتفاء ذلك العنف على الأقل خلال الأيام الأولى للثورة ساهم في أن تشعر أجساد النساء وكأن المجال العام يرحب بها، ولكن تلك الحالة من "الترحيب" هي أيضاً في حاجة لأن تكون موضع تساؤل.

لم تلبث حالة الترحيب التي أبداها ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة تجاه أجساد النساء أن تحولت لحالة من العدائية والعنف سواء من قبل الأفراد أو حتى من قبل النظام السياسي الحاكم. لم تكن تلك الحالة متطابقة مع حالات العنف التي اعتادت أجساد النساء أن تتعرض لها في المجال العام المصري من قبل. فمن ناحية كانت المعطيات السياسية والاجتماعية مختلفة بدرجة أو بأخرى عما كان سائداً قبل الثورة، ومن ناحية ثانية لم تكن النساء المصريات على استعداد للتضحية بفرصة وجود مساحات لهن في المجال العام بعد أن نجحن في انتزاعها، ومن ناحية ثالثة كان على العنف الأبوي أن يجدد أدواته لتناسب اختلاف السياق السياسي وإصرار النساء على التواجد في ميادين الثورة أو في المجال العام بأطره الواسعة (6).

في هذا السياق، ربما تجدر العودة ل د. شلقامي (انظر/ انظري مرجع 2) لفهم المفاوضات التي خاضتها أجساد النساء مع المجال العام بعد الثورة والذي سرعان ما عاد لأبويته وإنما من خلال أدوات مختلفة. مثلما وضحت د. شلقامي كيف بدا ميدان التحرير مرحباً بأجساد النساء في أسابيعه الأولى، حاولت أيضاً  تفكيك الأسس التي استندت عليها المقولة الشائعة وقتها بأنه "لم يكن هناك أي فرق بين النساء والرجال خلال ال18 يوم". وفقاً لها، فإن تلك الأيام ال18 كانت بمثابة فاصل زمني بين ما سبقه وما تلاه، وفي فواصل كذلك الفاصل الزمني، تتعطل الأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة بما في ذلك تلك المرتبطة بعدم المساواة على أساس النوع ولو لوهلة، فتبرز تلك الحالات "المثالية" من التضامن بين الأفراد حتى ينتهي ذلك الفاصل الزمني بإعلان بوادر نظام اجتماعي وسياسي مختلف عما سبق ال18 يوماً. إلا أن ذلك الاختلاف لا يمس بالضرورة البنية التحتية لتلك الأنظمة كالأبوية على سبيل المثال، وإنما يؤثر على الأقل على طريقة عملها. بناء على تحليل د. شلقامي، فقد بد ميدان التحرير مرحباً خلال المظاهرات والاعتصامات بأجساد النساء التي قررت رغم مخاوفها من احتمالات الاعتداءات والانتهاكات الجنسية أن تكون جزءاً من ذلك الحراك الثوري منذ لحظاته الأولى، ولكن بنهاية الاعتصام، أصبح للميدان قواعد أبوية مختلفة شكلاً ومألوفة مضموناً بالنسبة للنساء التي اعتادت خوض معارك يومية مع المجال العام والتي كما تقول د. شلقامي، سرعان ما أدركت وخاصة النسويات منهن أن المشاركة في الثورة لن تنصفهن بالضرورة وأن عليهن أن يحاربن لوضع قضاياهن على طاولة الحراك.

بدت تلك التحولات والعنف التي نتج عنها تجاه أجساد النساء أكثر وضوحاً في شهر مارس من عام 2011 ومن خلال واقعتين على وجه التحديد. الواقعة الأولى كانت عندما تعرضت مسيرة النساء في يوم الثامن من مارس للاعتداء من قبل متظاهرين بميدان التحرير (7). المسيرة كانت نتيجة لدعوة تم نشرها عبر وسائل الاعلام الإلكتروني لتنظيم مسيرة مليونية احتفالا بيوم المرأة العالمي وكنوع من التذكرة بأهمية أن يتعامل حراك ما بعد الثورة الاجتماعي والسياسي مع قضايا النساء وحقوقهن باعتبارها واحدة من أهم أولوياته، خاصة بعد الدور الذي لعبته هؤلاء النساء في الثورة المصرية. وقتها، استجابت أعداد من النساء والرجال للدعوة ونزلت إلى ميدان التحرير ومعها يافطات تحمل أهم مطالب النساء المرتبطة بتمثيلهن السياسي وبحقوقهن في إطار المطالبات بالتغيير والعدالة بعد الثورة. سرعان ما تعرضت تلك المسيرة لاعتداءات من متظاهرين بدأت بالسخرية من هؤلاء النساء والرجال الذين قرروا أن يدعمهن ومن مطالب المسيرة وانتهت باعتداءات وتحرشات لفظية وجسدية بل وبتمزيق اليافطات أيضاً. لم يكن هذا الاعتداء حادثاً عابراً ، فبينما تم اتهام النساء اللاتي شاركن في المسيرة من قبل المعترضين بأنهن جزء من النظام القديم أو أن مصلحة ما تربطهن ب"سوزان مبارك" بل وتم مطالبتهن بالعودة للبيت، كان عدد من الكتاب يتنافسون على نشر مقالات تطالب بإلغاء القوانين والتعديلات القانونية المرتبطة بوضع النساء في إطار منظومة الأحوال الشخصية وكذلك فيما يخص النساء والطلاق. المقصود كان القوانين والتعديلات التي منحت النساء بعضاً من حقوقها مثل الخلع ومثل إلغاء بيت الطاعة، أو بمعنى آخر، النصوص القانونية التي تعزز سلطة النساء على أجسادها في إطار مؤسسة الزواج. تلك الحالة من العدائية التي ظهرت في شكل الاعتداء على مسيرة النساء أو حتى في المقالات التي وصفت تلك النصوص القانونية بأنها "قوانين سوزان" كان لها تفسير من قبل د. هدى الصدة (8) والتي رأت أنه رغم أن تلك التعديلات القانونية كانت مكاسب الحركة النسوية المصرية التي سعت لسنوات طويلة لأجل الحصول عليها، إلا أن رغبة نظام مبارك في احتكار الخطاب المرتبط بحقوق النساء ساهمت في خلق صورة مغلوطة توحي بأن الحراك النسوي كان حراكاً مدعوما من الدولة. نتيجة لذلك، عمدت د. الصدة في تحليلها لحادثة الاعتداء على المسيرة لتوضيح مدى استقلالية الحراك النسوي في مصر والتأكيد على أن أشباح النظام السابق لن تنجح في إقصاء المجموعات النسوية بشكل خاص والمصريات بشكل عام من المجال العام، سواء من خلال العنف ضد أجساد هذه النساء أو من خلال تلك المطالبات بإلغاء مكتسبات النساء القانونية والمرتبطة بسؤال أجساد النساء في المجال الخاص.

 

رجوليات مهددة وأبويّة قديمة/جديدة


تعتبر الواقعة الثانية التي نبهت النساء لأن أجسادهن لم يعد مرحب بها في مجال عام ما بعد الثورة هي تلك الخاصة بكشوف العذرية والتي تم إجبار عدد من المتظاهرات من قبل الشرطة العسكرية على الخضوع لها في التاسع من مارس 2011 (9). في ذلك اليوم، قامت الشرطة العسكرية بفض الاعتصام الذي كان قائماً بميدان التحرير، حيث حدث ذلك يوم بعد الاعتداء من قبل المتظاهرين على مسيرة النساء. أثناء فض الاعتصام قامت الشرطة بالقبض على عدد من المتظاهرات وأجبرتهن على الخضوع لكشوف عذرية والتي بجانب كونها شكلاً من أشكال التعذيب، كانت بمثابة انتهاك صريح لأجساد هؤلاء المتظاهرات بل وانتهاك لملكيتهنّ لتلك الأجساد. قرار هؤلاء المتظاهرات بالحديث عن الانتهاك الذي تعرضت له أجسادهن كان في مقابله ثمناً تضمن التشهير بهن على شاشات التليفزيون المصري المختلفة، خاصة عندما قررت إحداهن أن تلجأ إلى القضاء والذي قام بتبرئة الضابط الذي أجبرها على الخضوع لكشف العذرية.

وفقاً للكاتبة والباحثة في قضايا النساء والنوع د. شيرين حافظ (10) فإن واقعة كشوف العذرية وما تلاها من وصم مجتمعي للمتظاهرات بالإضافة إلى وقائع أخرى من عنف ما بعد ثورة يناير ضد النساء، لم تكن أكثر من تأكيدات على مركزية أجساد النساء في المشهد السياسي والمجتمعي المصري منذ بدايات الثورة. ترى د.حافظ أن أجساد النساء لم تكن غائبة في أي لحظة من اللحظات عن المعادلة السياسية والاجتماعية بل وأنه لا يمكن تقديم قراءة نسوية لدور ووضع النساء أثناء وبعد ثورة يناير 2011 بدون تحليل العلاقة بين أجساد النساء وبين تركيبة علاقات وأبنية القوى الاجتماعية والسياسية خلال السنوات التي تلت الثورة. قراءة د. حافظ لإشكالية أجساد النساء بعد الثورة بدأت بكشوف العذرية مروراً بقرار فتاة أخرى بالقيام بنشر صور فنية عارية لها كنوع من الدعم لحرية النساء في امتلاك أجسادها ووصولاً إلى الفتاة التي تم تعريتها على يد أفراد الشرطة العسكرية أيضاً في نهاية 2011 ومسيرة التضامن معها التي ضمت آلافا من النساء والتي سميت باسم "مسيرة الحرائر" ورفعت شعار "نساء مصر خط أحمر".  

في محاولتها للإجابة على التساؤلات الخاصة بسبب مركزية سؤال أجساد النساء في مصر بعد ثورة يناير 2011، تشير د. حافظ إلى أنّه على مدار التاريخ المعاصر، اعتمدت الأبوية المصرية من خلال تسخير الآليات المجتمعية والثقافية والسياسية بل والطبية على ترسيخ تصورات عميقة الجذور ومرتبطة بأجساد النساء وبمدى قدرة تلك الأجساد على التمرد في مواجهة الحدود التي تم ترسيمها لها سلفاً، بل وبأن تلك الأجساد دائماً في حاجة لأن يتم السيطرة عليها اجتماعياً وسياسياً. تلك التصورات تعرضت لهزة بعد خروج النساء بالآلاف حرفياً ومجازياً إلى المجال العام الذي بدا واعداً في بدايات الثورة وبالتالي كان على الأبوية المصرية بمؤسساتها السياسية والمجتمعية أن تزيد من وتيرة عنفها ضد تلك الأجساد المؤنثة المتمردة. في قول آخر، شعور تلك المنظومة بالخطر صاحبه تطور رجوليات مهددة ورافضة لوجود أجساد النساء في المجال العام، لذا لم يكن مفاجئاً وفقاً ل د. حافظ أن يزداد العنف الجنسي توحشاً تجاه النساء سواء في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به أو في المجال العام المصري بشكل عام، وسواء كان المعتدين هم المواطنون أو ممثلي النظام السياسي الحاكم.

فيما يخص سؤال أجساد النساء في علاقته بالمجال العام، تشير د. حافظ إلى التطور التاريخي للمجال العام في مصر وطبيعته الأبوية والذكورية التي تضع سياسات الإدماج والإقصاء والتي يتم على أساسها قبول أو رفض أجساد كل من هم ليسوا رجالاً وبشكل أخص النساء داخل هذا المجال العام. فوفقاً لها، تلك السياسات تعطلت لوهلة خلال اعتصام ال 18 يوماً، إلا أنه بمرور الوقت تطورت سياسات مختلفة تأخذ الثورة ونسائها في الاعتبار في الوقت نفسه الذي تعيد فيه إنتاج المنظومة الأبوية التي تحكمها والتي شعرت بالتهديد وبفقدانها للسيطرة على أجساد النساء. نتيجة تلك السياسات كانت تعبر عن نفسها من خلال الوقائع والانتهاكات المختلفة والتي زادت تجاه أجساد النساء بطريقة أكثر عنفاً عما قبل. تلك الحالة من التهديد التي تعرضت لها المنظومة الأبوية في مصر بعد الثورة هي التي كانت السبب وفقاً ل د. حافظ، في ردود الأفعال العنيفة التي وصلت إلى حد التهديد بالقتل والتي تعرضت لها الفتاة العشرينية التي نشرت صور عارية لجسدها على مدونتها في 2011. لا تنفي د. حافظ كيف ساهم توقيت نشر الصور في وضع مجتمع ما بعد الثورة في مواجهة صريحة مع أجساد النساء بطريقة كشفت عن مدى خوف أبوية ذلك المجتمع من تلك الأجساد ومن الأسئلة المرتبطة بحقوق وحريات أجساد النساء بعد الثورة.

ورغم أنه يمكن الاختلاف نسوياً في قراءة واقعة صور الجسد العاري إلا أن هذا الاختلاف ليس من المفترض أن يتعارض مع واقع أن صور الجسد العاري كانت محاولة  من قبل الفتاة للتأكيد على حريتها في امتلاك جسدها وعلى أن أولويات الحراك السياسي والاجتماعي بعد الثورة لا تعني منعها من التعبير عن جسدها بالشكل الذي تراه مناسباً إذا تعارض مع تلك الأولويات مثلما قالت هي نفسها في حوار مع إحدى المواقع الإخبارية في عام 2011 (11).

قراءة التغيرات المرتبطة بسؤال أجساد النساء خلال السنوات التي تلت الثورة تستدعي الوقوف عند واقعة الفتاة التي تم سحل جسدها وتعريته أثناء فض الاعتصام في نهايات عام 2011، والتي عرفت فيما بعد باسم "ست البنات" بعد أن انتشرت صور وفيديوهات ما حدث معها عبر وسائل الإعلام الاجتماعي والوسائل التقليدية على حد سواء (12).تعرضت تلك الفتاة للتشهير من قبل عدد من الإعلاميين المصريين الذين فعلوا معها مثلما فعلوا مع فتاة واقعة كشوف العذرية الإجبارية، حيث تم تكذيب روايتها وإنكارها والتعامل مع جسدها باعتباره جسداً موصوماً مجتمعياً وسياسياً. ومع ذلك فإن حالة التضامن معها نتج عنها واحدة من أقوى المسيرات التي خرجت في ديسمبر 2012 وبها آلاف من النساء لتقول بشكل واضح: "أجساد نساء مصر خط أحمر"، وهو الأمر الذي يشير إلى إدراك النساء في ذلك الوقت المبكر من عمر الثورة للسؤال المرتبط بأجسادهن في المجال العام بل وأيضاً لقدرتهن على خلق حراك مرتبط بتلك الأسئلة (13). في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه لم يتفوق على هذه المسيرة عدداً سوى المسيرة التي خرجت في فبراير 2013 مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الجنسية والاغتصابات الجماعية في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به لتضع سؤال أجساد النساء من جديد في صدارة المشهد السياسي والاجتماعي في مصر بعد الثورة أيضاً.

 

العنف الجنسي وتطور أسئلة الجسد والحراك النسوي في مصر

 

يرتبط سؤال أجساد النساء ارتباطاً وثيقاً بسؤال بجرائم العنف الجنسي ضد النساء في المجال العام والتي تزايدت حدتها خلال السنوات الماضية، حيث تم توثيق 500 حالة من الاغتصابات والاعتداءات الجنسية في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به من عام 2012 وحتى عام 2014(14).  في هذا السياق، يصبح من المفيد تقديم عرضاً زمنياً لكيفية تصاعد موجات ذلك العنف، الذي استهدف أجساد النساء في المجال العام خلال السنوات الماضية. في الوقت نفسه من المهم توضيح كيف ساهم عمل المجموعات النسوية والمجموعات المستقلة التي ظهرت بعد الثورة في مواجهة العنف الجنسي على تطوير الأسئلة الخاصة بأجساد النساء في مصر ليس فقط في المجال العام بل أيضاً في المجال الخاص.

لم تكن تلك المعركة سهلة بأي حال من الأحوال، خاصة وأن بداياتها ظهرت منذ يوم تنحي مبارك في 2011، عندما تعرضت مراسلة صحفية أمريكية لاعتداء جنسي جماعي في ميدان التحرير يومها (15)، إلا أن الحديث عن الاعتداءات الجنسية الجماعية ضد النساء في ميدان التحرير أصبح جلياً بداية من منتصف عام 2012 (16) ووصل إلى لحظات ذروته في يناير ويونيو 2013 بعد أن ازدادت وحشية تلك الاغتصابات والاعتداءات الجنسية ضد النساء كماً وكيفاً، وهو الأمر الذي دفع المجموعات النسوية إلى مطالبة القوى السياسية المختلفة بالوقوف في حسم في مواجهة ذلك العنف الذي يعمل على إرهاب أجساد النساء واقصائها من المجال العام (17) وكذلك إدانة ردود أفعال بعض مؤسسات الدولة وقتها على التزايد المرعب في أرقام النساء الناجيات من تلك الاعتداءات، لأن تلك الردود كانت غير مسؤولة (18). ابتداء من 2012 كانت بعض المجموعات المستقلة قد بدأت في الظهور والعمل على التدخل بنفسها أملاً في التصدي لتلك الاعتداءات الجنسية الجماعية.

إن الأدوار التي لعبتها تلك المجموعات التي ظهرت للتدخل في مواجهة العنف الجنسي إلى جانب الدور الذي لعبته بشكل أساسي المجموعات والمنظمات النسوية في مصر ساهمت في الانتقال بسؤال العنف الجنسي وما يرتبط به من أسئلة خاصة بأجساد النساء إلى المساحات الإعلامية والسياسية والمجتمعية المختلفة، وهو الأمر الذي مهد الطريق لنقاشات داخلية بين مجموعات التدخل وكذلك نقاشات اجتماعية وسياسية واسعة ومستمرة حتى الآن حول القضايا المرتبطة بحقوق واختيارات النساء الجسدية. (انظر/ انظري مرجع 3). بالإضافة لذلك، تؤكد د. كمال على أن المجهودات التي بذلتها المجموعات النسوية من أجل وضع قضية العنف الجنسي على طاولة النقاشات السياسية والمجتمعية ومن أجل الوصول بقضية العنف الجنسي إلى المحافظات المختلفة بل وداخل الجامعات المصرية، نجحت في كسر حاجز الصمت وتحفيز النساء على التحدث عن ذلك العنف (انظر/انظري مرجع 1).

 

الموجة النسوية الرابعة وسؤال الجسد


بالعودة إلى المشهد النسوي المصري الحالي، يمكن ملاحظة كيف شهد خلال السنوات الماضية من بعد الثورة ظهور جيل من النسويات الشابات، واللائي انخرطن في مجموعات ومبادرات نسوية شابة بمحافظات مصرية مختلفة من أجل العمل على القضايا المختلفة والمرتبطة بشكل أساسي بأجساد النساء وسلامتها وحقوقها. بالإضافة إلى ذلك يمكن قراءة التغييرات التي أحدثها ذلك الجيل من النسويات في الحراك المرتبط بأسئلة الجسد من منظور نسوي.

بالرجوع إلى ما كتبته د. كمال في "لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها" (انظر/ انظري مرجع 1)، يصبح واضحاً كيف أن معارك الحركة النسوية عبر موجاتها الأربعة كانت ومازالت معنية بشكل أساسي في كسر الحواجز السياسية والمجتمعية والثقافية التي تقف حائلاً دون التواجد الكامل والآمن للنساء وأجسادها في المجال العام، مثلما كانت القضايا المرتبطة بالجسد والجنسانية سواء في المجال الخاص أو العام تحتل مكاناً محورياً في قائمة أولويات هذه الحركة. وفقاً ل د. كمال، ارتباط الموجة الرابعة من الحركة النسوية بسؤال الجسد جاء منطقياً لسببين هامين. السبب الأول مرتبط بظهور مجموعات تقودها نسويات شابات مهتمات بالأسئلة الخاصة بأجساد النساء، بينما يرتبط السبب الثاني بقضية العنف الجنسي ضد النساء والذي ازدادت درجة توحشه خلال السنوات الماضية. بناء على ذلك، يمكن القول بأن حراك السنوات الماضية والمرتبط بالحقوق الجسدية للنساء انطلق في اتجاهين أساسيين. الاتجاه الأول كان ومازال مهتماً بالتركيز على قضايا أجساد النساء وجنسانياتها بشكل عام مثل الحقوق الإنجابية والجنسية على سبيل المثال وخاصة في المجال الخاص، بينما كان ومازال الاتجاه الثاني معنياً بالتركيز على قضايا العنف الجنسي في المجال العام، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتجاهين يتقاطعان معظم الوقت. هنا تجدر الإشارة إلى أن التعامل مع الجنسانية في هذا السياق يأتي باعتبارها "منطقة محورية تتقاطع فيها هياكل المجتمع مع الحياة الخاصة لأفراده بشكل يمس حياة كل فرد في هذا المجتمع في صورة تعبر كل الفوارق وإن اختلفت باختلاف الطبقات والظروف الفردية. وبينما تمثل الجنسانية تعبيراً عن أكثر المشاعر حميمية وخصوصية في حياة المرأة، فإنها تتعدى ذلك إلى كونها من أكثر المناطق تعرضاً للإدارة والتحكم بواسطة الدولة وكذلك بواسطة الهياكل الاجتماعية والثقافية والدينية.  فالجنسانية تعني أكثر بكثير من مجرد النشاط الجنسي، وتجد طرقاً عديدة للتسرب في حياتنا اليومية والظهور في عدة أشكال كالعنف الأسري، والتحرش الجنسي، وختان الإناث، والفصل بين الجنسين، وقواعد الملبس، وقوانين الأحوال الشخصية" (19).

كما تمت الإشارة من قبل، فإن الأسئلة الخاصة بأجساد النساء لم تكن فقط مرتبطة بواقع الانتهاك، وإنما ارتبطت كذلك بتكنيكات للمقاومة وبحراك نسوي شاب اعتبر القضايا المرتبطة بأجساد النساء أولوية في تعامله مع متغيرات ما بعد الثورة بموجاتها الأولى والثانية السياسية والاجتماعية. فعام 2012 على سبيل المثال شهد ظهور عدداً من المبادرات النسوية أو الداعمة لقضايا النساء بشكل عام وقضايا الجسد بشكل خاص. تلك المبادرات، والتي عمدت إلى الاستفادة من الفرص التي قدمتها لها الثورة من حيث التواجد في المجال العام وقتها كما تمت الاشارة من قبل، ساهمت في دعم الحراك النسوي في المصري بالتركيز على قضايا أجساد النساء وبخلق خطاب حولها. ف"ثورة البنات" (20) على سبيل المثال والتي ظهرت في يناير 2012 عملت على دعم اختيارات النساء المختلفة وخاصة تلك المرتبطة بالجسد وحرية الملبس. كذلك "جرافيتي حريمي" والتي كانت معنية بأجساد النساء في المجال العام ولذا احتفلت في عام 2012 بيوم المرأة العالمي بأن خلقت لنساء ومدافعات عن حقوق الإنسان مساحات على جدران ميدان التحرير والميادين المختلفة من خلال الجرافيتي (انظر/انظري مرجع 3). بنهاية عام 2012، كانت مجموعة "جنوبية حرة" والتي هي الآن مؤسسة مشهرة، قد خرجت إلى النور في أسوان لتدعم لامركزية الحراك النسوي في مصر ولتخلق مساحات آمنة لدعم النساء وسلامتهن الجسدية في جنوب مصر (21). إلى جانب تلك المجموعات، ظهرت خلال السنوات الماضية أعداداً أكبر من المجموعات النسوية التي يركز كل منها على قضايا مختلفة وشائكة مرتبطة بأجساد النساء مثل القضايا المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية للنساء إلى جانب المجموعات المعنية بالفتيات المستقلات بعيداً عن عائلاتهن واللائي يعملن على صياغة خطاب مرتبط بقضاياهن وتمريره مجتمعياً عبر الوسائط المختلفة (22).

من أهم سمات تلك المبادرات والمجموعات النسوية الشابة هو ربطها بين إشكاليات أجساد النساء في المجال الخاص وبين الإشكاليات الخاصة بتلك الأجساد في المجال العام، وهي السمة التي حتى يمكن قراءتها يمكن الرجوع إلى ما كتبته الباحثة والكاتبة النسوية دينيز كانديوتي عما أسمته هي "المفاوضات/ المساومات مع الأبوية" (23). وفقاً لكانديوتي، فإن النساء عادة ما تلجأ إلى التفاوض مع الأبوية من أجل الحصول على مساحات تمكنها من نيل حقوقها، خاصة وأن المواجهة المباشرة يكون ثمنها في كثير من الأحوال العنف والإيذاء النفسي أو البدني أو الجنسي. في السياق المرتبط بالموجة النسوية الرابعة يمكن استعارة "مفاوضات" كانديوتي والاختلاف معها في الوقت نفسه. إن وجود هذا الجيل من النسويات الشابات بعد الثورة عادة ما صاحبه تفاوض مع المنظومة الأبوية التي تعيش بداخلها وبالتحديد الأسرة حتى يمكنها التحرك بحرية أكبر في المجال العام، إلا أنه مع الوقت ومع تصاعد حالة العنف في المجال العام ضد النساء، أصبح ثمن الخروج من المنزل أو المجال الخاص أكبر مما تستطيع توفيره المفاوضات التقليدية، ونظراً لتصاعد ظاهرة العنف الجنسي وما طرحته من أسئلة حول أجساد النساء، أصبح على هؤلاء الفتيات التفاوض مع منظومة أبوية تمارس العنف في المجالين الخاص والعام على حد سواء. نتيجة ذلك كانت أن قررت هؤلاء الفتيات الخروج على مستوى حراكهن النسوي بأسئلتهن المرتبطة بأجساد النساء سواء على مستوى العنف الذي تتعرض له تلك الأجساد أو على مستوى الحقوق التي يجب أن تتمتع بها من المجال الخاص لربطها بأسئلتهن الخاصة بالمجال العام.

تذكرنا من جديد د. كمال (انظر/انظري مرجع 1) بمدى ارتباط الموجات النسوية ببعضها البعض، وهو الأمر الذي يبدو واضحاً عند متابعة المشهد النسوي في مصر الآن، حيث الحملات التي تنظمها المجموعات والمبادرات النسوية الشابة والتي تعيد قراءة القضايا المرتبطة بجنسانية النساء وبحقوقها الجسدية والانجابية التي عملت عليها النسويات والمجموعات النسوية المنتمية للموجات السابقة لها مثل الختان والاغتصاب الزوجي. وفي الوقت نفسه تسعى تلك المجموعات الشابة للعمل على قضايا أخرى مرتبطة بما تراه هي كمعارك نسوية، مثل العمل على القوانين المرتبطة بالعنف الأسري (24) أو حتى العمل على الحبس المنزلي الذي يسعى لاحتجاز أجساد النساء والفتيات وتقييد حركتها (25). بالإضافة لذلك، فإن وجود هذه المجموعات والنسويات الشابات في محافظات مصر المختلفة (26-27-28) ينفي التصورات المرتبطة بمركزية أو هيراركية الحراك النسوي في مصر الآن.

 

الخاتمة:

 

قررت امرأة شابة في يناير 2017 أن تخرج الى المجتمع المصري من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي في البداية ثم من خلال وسائل الإعلام التقليدية بعد ذلك معلنة أنها قررت الاحتفاظ بطفلها رغم تخلي زوجها عنها، خاصة وأن الزواج كان به أزمة قانونية لها علاقة بكونه غير موثق (زواجاً عرفياً) وأن الزوج طالبها بالتخلي عن الطفل إلا أنها رفضت طلبه. وقتها تسبب ما كتبته عبر صفحتها الشخصية على (فايسبوك) في ضجة سرعان ما تحولت إلى نقاش مجتمعي انتقل من الإعلام الإلكتروني الى شاشات التليفزيون، وصفحات الجرائد بل والبيوت المصرية بشكل عام. النقاش الذي بدأ بالتركيز على التعامل معها باعتبارها (أم عزباء) بما تضمنه ذلك من موجات تضامن مع اللقب ودلالاته وكذلك موجات الوصم لها ولللقب ودلالاته انتهى بالتطرق إلى حرية النساء في امتلاك أجسادهن وحريتهن في أن يخترن الاحتفاظ بطفل حتى لو رفض الأب والمجتمع أو حريتهن في الإجهاض. الملفت للانتباه في هذه الواقعة هو أن صوت التضامن مع اختيارها كان نسبياً أقوى من صوت الهجوم والوصم (29). للوهلة الأولى تبدو تلك الواقعة أقرب الى ما تم ذكره أعلاه فيما يخص مجهودات النسويات الشابات والمجموعات النسوية على مدار السبع سنوات الماضية في الدفاع عن اختيارات النساء وحقوقها الجسدية والجنسية، إلا أن تلك الحالة من التضامن معها ربما لم تكن لتحدث لولا المعارك التي خاضتها المجموعات النسوية منذ بداية الثورة وحتى الآن في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء. فالمعركة النسوية المصرية ضد العنف الجنسي بعد الثورة وخلال السنوات الماضية لم يقف عند حد مواجهة توحش ذلك العنف، وإنما تجاوز ذلك بفتح نقاش مستمر حتى الآن حول أسئلة مختلفة مرتبطة بأجساد النساء سواء كنا نتحدث عن التوافق، أو العنف، أو حرية الملبس، أو الاختيارات الجنسية والجسدية. بمعنى آخر، أهم ما يحسب للمعارك التي خاضتها النساء ضد العنف الجنسي منذ 2011 وحتى الآن هو كسر حواجز الصمت والوصم ليس فقط على مستوى سؤال العنف الجنسي وإنما على مستوى الأسئلة الخاصة بأجساد النساء واختياراتها وكرامتها وسلامتها من منظور نسوي (انظر/ انظري مرجع 3). ليس ذلك فقط، بل أن من يتابع كتابات عضوات كثير من المجموعات النسوية الشابة التي ظهرت خلال السنوات الماضية، يستطيع أن يلاحظ كيف أدى اشتباكهن مع قضايا العنف الجنسي ضد النساء في المجال العام لإعادة فتح ملفات أخرى شديدة الارتباط بسؤال أجساد النساء، سواء كان الحديث عن الختان (30) أو الاغتصاب الزوجي (31) أو العنف المنزلي(32) أو غيرهم من القضايا المرتبطة بشكل كبير بجنسانية النساء في المجال الخاص.

ختاماً، تجدر الإشارة إلى أن المجال العام في مصر يواجه الآن واحداً من أكثر أنماط غلقه تضييقا على التيار المدني والمجموعات الحقوقية بشكل عام، وعلى المجموعات النسوية والنساء بشكل خاص (33). هذه الانغلاقة وذلك التضييق، وفقاً لعديد من المجموعات النسوية (34) يشكلان خطراً حقيقياً على كل ما سعت الحركة النسوية المصرية بأجيالها المختلفة على مدار السبع سنوات الماضية في تحقيقه على مستوى حقوق النساء بشكل عام وفيما يخص قضايا الجسد بشكل خاص.

 

المراجع


1-"لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها"- د. هالة كمال/ مؤسسة المرأة والذاكرة

 

2- Sholkamy, H. (2012). Women are also part of this revolution. Arab Spring in Egypt‏


3- Sorbera, L. (2014). Challenges of thinking feminism and revolution in Egypt between 2011 and 2014. Postcolonial Studies, 17(1), 63-75


4- http://www.e7kky.com/content/show/13/137


5- http://www.bbc.com/arabic/multimedia/2015/07/150720_egypt_sexual_harassment


6- Hafez, S. (2012). No longer a bargain: Women, masculinity, and the Egyptian uprising. American Ethnologist, 39(1), 37-42


7- https://www.theguardian.com/world/2011/mar/08/rival-protesters-clash-women-tahrir


8- Elsadda, H. (2011). Women’s rights activism in post-Jan25 Egypt: Combating the shadow of the first lady syndrome in the Arab world. Middle East Law and Governance, 3(1-2), 84-93


9- http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11032012&id=24e64a10-8e01-40ab-aa36-31f7a6a09f7a


10- Hafez, S. (2014). The revolution shall not pass through women's bodies: Egypt, uprising and gender politics. The Journal of North African Studies, 19(2), 172-185


11- http://www.alarabiya.net/articles/2012/12/21/256345.html

 

12- http://www.alarabiya.net/articles/2011/12/21/183779.html

 

13- Hafez, S. (2014). Bodies that protest: The girl in the blue bra, sexuality, and state violence in revolutionary Egypt. Signs: Journal of Women in Culture and Society, 40(1), 20-28

 

14- http://nazra.org/node/321

 

15- http://edition.cnn.com/2011/WORLD/meast/02/15/egypt.logan.assault/

 

16- http://www.almasryalyoum.com/news/details/225934

 

17- http://nazra.org/node/196

 

18- http://nazra.org/node/243


19- "الحركة النسائية والحقوق الجنسية للمرأة المصرية"- كتاب النسوية والجنسانية/ مؤسسة المرأة والذاكرة


20- https://www.facebook.com/EgyGirlsRev/

 

21- https://www.facebook.com/Ganoubia/

 

22- https://www.tahrirnews.com/posts/385530

 

23- Kandiyoti, D. (1988). Bargaining with patriarchy. Gender & society, 2(3), 274-290

 

24- https://www.facebook.com/D.V.law/

 

25- https://wlahawogohokhra.org/6338/

 

26- https://www.facebook.com/nile.daughter444/

 

27- https://wlahawogohokhra.org/3748

 

28- https://www.facebook.com/Onsa.bh/

 

29-https://www.facebook.com/search/top/?

q=%23%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D9%85_%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%B1

 

30- http://masreiat.com/scheherazade/2016/nov/07/46924

 

31- http://masreiat.com/scheherazade/2016/nov/07/46914

 

32- https://wlahawogohokhra.org/6218

 

33-http://nazra.org/node/541

 

34-http://nazra.org/node/484

 

رابط دائمhttp://www.nazra.org/node/601