مازالت جملتي المفضلة هي كلمة "مي يمان" في تقديمها لكتاب “النسوية والإسلام": "إن النسوية بذرة تنبت في أي أرض تعاني من الأبوية". لكم أحب هذه الجملة فهي علي بساطتها تدحض ادعاءات أن النسوية ما هي إلا نتاج الثقافة الغربية، وهي دخيلة علي المجتمعات غير الغربية. أضف إلى ذلك أني أؤمن أن الأرض واحدة، والشجر ألوان، فالفكر النسوي يتشكل باختلاف البيئة التي ينتج عنها.
وقد تذكرت هذه الجملة أثناء حضوري لمؤتمر "النسوية الإسلامية: منظورات معرفية بديلة" الذي نظمته مؤسسة المرأة والذاكرة، والمعهد الدنماركي المصري للحوار. وقد شاركت في فعالياته بتقديم بحث مشترك مع زميلتي يارا سلام عن "الحقوق الجنسية للمرأة في الخطاب الإسلامي". أهم ما قدمه هذا المؤتمر في رأيي أنه بدأ مشروع منظم لتوطين النسوية الإسلامية في العالم العربي. فللأسف أغلب إنتاج مدرسة النسوية الاسلامية باللغة الانجليزية، وينتجه إما مسلمات الغرب أو المسلمات اسيا و افريقيا إلا أنهن يفضلن الإنتاج بالانجليزية لاعتبارات عدة. وعلي أن أكون صريحة أن قلة الإنتاج العربي وكثافة الاعتماد علي الإنتاج الفكري باللغة الانجليزية يظهر المدرسة على أنها وليدة تعاطي الإسلام مع العالم غير الإسلامي فحسب، أو أنها محاولة لتوفيق الإسلام ليتماشي مع متطلبات أحد قطاعات المسلمات وحسب . وهذا ما أرفضه تماما.
إن النسوية الإسلامية لم تبدأ في التسعينات من القرن الماضي، عندما صيغ المصطلح. فالمدقق في التراث الإسلامي يجد أن الكثير من المحاولات والممارسات التي يمكننا أن ندرجها في إطار النسوية الإسلامية، والتي تعنى بإعادة قراءة النصوص الإسلامية بعيون النساء لمحاربة أبوية الفقه الإسلامي، وإنتاج معرفة دينية نسوية. ويمكنني سرد العديد من الأمثلة من التاريخ التي تؤكد إسهامات العربيات في إنتاج مدرسة النسوية الإسلامية/ من "نظيرة زين الدين" كاحد الرائدات، إلى أجيال لاحقة تاريخيا، مثل "فريدة بناني" و"أميمة أبو بكر"، على سبيل المثال لا الحصر.
أعتقد أن النسوية الإسلامية مثلها مثل باقي المدرسة النسوية نتجت عن محاولات النساء خلق فضاءات رحبة لهن ومحاربة قيود المجتمع الأبوية. لهذا من المهم أن نكتب عن النسوية الإسلامية من داخل السياق العربي المختلف عن السياقات الغربية، كما أن علينا أن ننتج خطابا نسويا إسلاميا عربيا لمجابهة الأصوات المتعالية من الغلاة الذين يستسيغون ربط الاسلام باضطهاد النساء. النسوية الاسلامية ما هي الا محاولة من نساء مسلمات للتعاطي مع نظامهن العقائديـ والقانوني، والمجتمعي لإقرار حقوقهن المشروعة.
"إننا متساوون أمام الله ولكننا لسنا متساوون في المجتمع"