ورقة تحليلية: حق النساء في المجال السياسي العام

ورقة بحثية

28 يوليو 2013

تعد قضايا المشاركة السياسية للنساء من أكثر القضايا التي تثار حولها جدل شديد خاصة في دول مثل مصر التي شهدت حراكا سياسيا منذ عقود من الزمن ومشاركة فعالة من نساءها في هذا الحراك. وفي تجدد هذا الحراك الذي تبلور في موجة جديدة من موجات الثورة المصرية في 30 يونيو 2013 والتي أسفرت عن عزل الرئيس محمد مرسي ونقل مسئولية إدارة البلاد إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، تم إعادة طرح أسئلة حول وضع النساء المصريات في خارطة الطريق القادمة والتي تتضمن أسئلة وأطروحات حول مشاركة النساء في المجال العام من خلال مشاركة سياسية فعالة والتي تحكمها هياكل اجتماعية واقتصادية معقدة. كما تظهر إشكالية المشاركة السياسية للنساء في ارتباطها الوثيق بكل من المجالين الخاص والعام اللائي تعمل فيهن للنساء لتشارك بفاعلية، في بعض الأوقات يتم التركيز على شكل المشاركة السياسية للنساء كناخبات في انتخابات محددة وتجاهل تواجدهن ككوادر وفاعلات في اطر سياسية واجتماعية مختلفة أو العكس. وتظهر هذه الإشكالية ضرورة التركيز على كل من الأطر المجتمعية الحاكمة لتلك المشاركة واختلاف البيئة الحضرية والريفية في معدل وشكل تلك المشاركة، بالإضافة إلى السياسات والقوانين والأطر الحاكمة من قبل الدولة لتلك المشاركة دون قصر ذلك على قوانين الانتخابات فقط.

ومن ثم تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على السياسات والقوانين التي تقرها وتتبناها مؤسسات الدولة المختلفة والتركيز على مدى تأثير تلك السياسات على قدرة النساء على المشاركة في المجالات العامة خاصة وأن مظاهرات 30 يونيو شهدت مشاركة نسائية شعبية ضخمة تطرح تساؤلات حول إمكانية انعكاس تلك المشاركة في المستويات السياسية المختلفة دفعت النساء ثمنها مضاعفا نتيجة ما تعرضت له النساء من اعتداءات جنسية واغتصاب جماعية. كما تعرض الورقة الإطار المحيط بتلك المشاركة والمتمثل في مستويات العنف وتوفير الأمن والأمان بالمجالات العامة وما يترتب علي ذلك من تفاوت في قدرة المواطنات على ممارسة حقوق المواطنة الأساسية لديهن والتي تعتبر المشاركة السياسية جزء أصيل لا يتجزأ منه. كما يتناول الإطار التحليلي البيئة التي تمارس داخلها سياسات وقوانين النظام، بالإضافة إلى الخطاب السياسي الذي يمثل تلك السياسات، وطرق تأثيره على حرية حركة ومشاركة النساء في المجال العام بأشكاله المختلفة. وفي هذا الإطار يجب إلقاء الضوء على إحدى الجوانب التي عادة ما تناقش بمعزل عن إشكاليات تواجد النساء في المجال العام؛ ألا وهو وضع النساء في المجال الخاص والذي يعد قانون الأحوال الشخصية الإطار القانوني الحاكم له. وقد ثار حول القانون جدالا مطولا ولكن لطالما كانت النقاشات التي تدور حوله نقاشات حذرة، لما يتناوله من جوانب دينية في تنظيم العلاقات الأسرية والزوجية والتي تعتبره السلطة المصرية، كما هو مشار في دستور مصر بعد ثورة الخامس والعشرين والذي تم تعطيله الآن، النواة الأساسية في تنظيم وهيكلة المجتمع وانطلاقا من ذلك الموقف، تناقش الورقة وضع النساء في كل من المجالين العام والخاص لكي تظهر بوضوح آليات عمل المنظومة التشريعية بأكملها من دستور وقوانين منظمة والتي تتخللها أحكام سياسية وثقافية متوطنة. وفي قراءة متمعنة لتفاعل المجالين نجد أن النتيجة هي حالة عامة من التضييق على النساء تظهر أثارها بوضوح حين تحاول النساء الانخراط في المجالات السياسية بالتساوي مع الرجال. وإذ بنا نجد أن قانون الأحوال الشخصية والذي تم تناوله على مر سنوات بأسلوب يتجاهل في كثير من جوانبه السياقات الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة، قد أثر بشكل مباشر على المساحات المتاحة للنساء لخوض تجارب يتعدى نطاقها المجتمع الأسرى، ويشتبك مع الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه. وبناء على ذلك نجد أن الحدود تتلاشى بين الخاص والعام ويصبح الاثنين جزء من منظومة سياسية وثقافية واحدة لا يمكن فهمها إلا من خلال قراءة المجالين في علاقتهم ببعض وتأثيرهما على النساء.

ستناقش الورقة عدة محاور رئيسية والتي توضح بشكل كبير تصور الدولة المصرية عبر عقود لنوع مشاركة النساء في السياسة المصرية، والتي نراها واضحة في قلة عدد النساء المتواجدات بمواقع صنع القرار بأجهزة الدولة وفى أساليب تعامل النظام مع قضايا النساء المختلفة والتي تمثل إحدى العوامل الرئيسية المعيقة لتواجدها وتقدمها بالساحات السياسية. تستعرض الورقة ثلاثة محاور وهم: الدستور المصري -الذي تم تعليق العمل به مؤقتا- والذي كتب ومرر في إطار استحواذ تيار فكرى واحد، وقانون الانتخابات التشريعية والذي خلى مضمونه من أي إيجابيات للمرشحات بل جاء معيقا لمشاركة المصريات في الانتخابات التشريعية، وقانون الأحوال الشخصية والذي يحول دون توفير البيئة البناءة للنساء اللاتي يجدن صعوبة في الوصول لأبسط حقوقهن الشخصية وما يترتب على ذلك من تحجيم قدرتهن على المشاركة في المجال العام وخاصة المجال السياسي. ستتطرق الورقة كذلك إلى المعوقات الاجتماعية والثقافية التي تواجه النساء الراغبات في المشاركة السياسية في المجال العام والتي توجب قراءتها بالترابط مع القوانين المشار إليها حيث لم تكن صياغتهم أو إقرارهم بمعزل عن التصورات الثقافية المترسخة في أذهان المشرعين. ولكي تقدم الورقة تحليلات واضحة سيتم تعريف المفردات الرئيسية المستخدمة؛ مثل المجال العام والمجال الخاص والمشاركة السياسية بكل ما تأتى به تلك المفاهيم من قواسم تحليلية مشتركة.   


تعريف المفردات

المجال العام والمجال الخاص

دائما ما تذكر لفظة "المجال العام" و"المجال الخاص" فيما يتعلق بمشاركة النساء في المجتمعات. وتطرح هذه الورقة محاولة لوضع إطار عام حول ماهية الاثنين للنظر إلى الأطر والسياسات الحاكمة من قبل الدولة المجالين وتأثيرهما المباشر على النساء.

يمكن القول أن فكرة المجال العام ولدت في قلب الحداثة السياسية حيث أن مفهوم المجال العام يعتبر أحد فروع الفكر الحديث الذي توجه لتأسيس مجتمعات ديمقراطية تقوم على أساس تداول السلطة وحرية الفكر والتعبير والتنظيم. ويمكننا فهم المجال العام كحيز يتم فيه تفعيل المشاركة حيث يعتبر الفضاء الذي يجتمع فيه الأفراد والمجموعات لمناقشة الأمور ذات أهمية بالنسبة لهم، وبالتالي فيمكن اعتباره المساحة الرئيسية التي يتشكل فيها الرأي العام المكون من فصائل وآراء عدة. بمعنى آخر، من المفترض أن يكون المجال العام مجالا حرا وغير مقصور على فصيل واحد، بل من المفترض أن يكون مكانا للتجمعات البشرية وللمشاركة الجماعية حيث تتساوى حقوق وواجبات المواطنة السياسية والاجتماعية. ولكن في الوقت نفسه لا يمكن فهم دينامكية المجال العام إلا بفهم مجالين آخرين وهما مجال السلطة العامة والمجال الخاص. فالتحركات في المجال العام تتحكم فيها قوانين الدولة العامة والتي مفترض لها أن تعمل على ضمان أمن وسلامة الأفراد المشاركين فيه دون التدخل في شئونهم الخاصة. ومن ناحية أخرى، يقوم المجال العام على أفراد ومجموعات يتشكل القدر الأكبر من أنماطهم الفكرية وهياكل نظمهم القيمية في مجال آخر متصل وهو المجال الخاص. فعلى ضوء المفاهيم المتداولة، فالمجال الخاص لا يقع خارج نطاق الدولة ولا خارج حيز إبصارها ولكن تحكمه قوانين صارمة تستمد موادها من مبادئ الشريعة الإسلامية بكل ما تأتى به منظومة التشريعات تلك من تفاوت في الآراء الفقهية التابعة للمذاهب الإسلامية المختلفة. وبالتحديد يتمثل المجال الخاص في مؤسسة الأسرة والعلاقات الزوجية التي تتحكم فيهم قوانين الأحوال الشخصية والتي صارع الكثير من المشرعين والحقوقيين والحقوقيات والنسويات والناشطات عبر السنوات من أجل تغييرها وجعلها أكثر إنصافا للنساء المصريات وأكثر تمكينا لهن كمواطنات يتمتعن بكافة حقوقهن الشخصية والزوجية والدفع باستمرار لوضع قوانين تتبنى فلسفة المساواة واحترام حقوق الإنسان. ولأن المجال الخاص هو المساحة الأولية التي تتكون فيها الأنماط الفكرية والتنشئة الاجتماعية لدى الأفراد والتي تضع إطار لمعاملاتهم وخطابهم في المجال العام، إضافة إلى أنه في أغلب الأحيان، يكون المجال الرئيسي الذي تستمد منه النساء الدعم المعنوي والأسرى والذي يعد عاملا ضخما في تحديد فرصهن للعمل والنشاط خارج نطاق المنزل والأسرة، لاسيما في تحديد فرصهن في المشاركة في العمل السياسي، فيصبح المجال الخاص في هذا الضوء أحد أهم الجوانب التحليلية لفهم خبرات ومعوقات العمل السياسي لدى النساء في مصر. وبالتالي نرى تداخل واضح بين الحيز العام والخاص على صعيد وبين المجال الخاص ومجال السلطة على صعيد أخر، ونجد أن الثلاث مساحات في حالة تفاعل مستمرة مع بعضها البعض ولا يمكن الخوض في عملية تحليلية لوضع المرأة المصرية في المجال العام إلا من خلال فهم خصائص تلك العلاقة الثلاثية.

ولكن الحالة المصرية، مثلها مثل أنظمة سلطوية أخرى، تفرض نظرة أكثر تعقيدا لنظرية المجال العام تلك بحيث تصبح أجهزة الدولة من شيمها الرئيسية التحكم في مساحات تحرك وتفاعل المواطنين والمواطنات والتي يظهر أثرها في المجالات العامة والخاصة سواء. فكما هو واضح في الحالة السياسية المصرية، تتم محاصرة المجال العام ويتم تضييق الخناق عليه. وكانت قد غابت الرغبة السياسية لدى المجموعات الإسلامية المنتخبة في خلق حوارات ومساحات أكثر انفتاحا ومساواة، في تأكيد على أحقية الفصائل السياسية المختلفة في عرض ومناقشة أفكارها وآليات عملها. وبالتالي أصبح المجال العام حكرا لفصيل واحد وتحول مسرحا للصراعات السلطوية بين فئات الشعب المختلفة التوجهات بدلا من كونه مجالا حرا تتشكل فيه النقاشات والأنشطة الفكرية والإيديولوجية المختلفة. وكما تتم محاصرة المجال العام، نجد أيضا أن قوانين المجال الخاص والتي خاضت من أجلها المجموعات والمنظمات النسوية والنسائية معارك طويلة استطاعت من خلالها تغيير بعض القوانين- والتي سيتم الإشارة إليها في سياق الورقة- أنها كانت تتعرض لهجوم واضح يهدف لتمرير خطابات تزيد من حدة التحكم في فرص المرأة في التعليم والعمل والعيش في بيئة أسرية تتساوى فيها حقوق الزوجة مع الزوج. ذلك لأن في تحقيق المساواة تلك، تستطعن النساء إيجاد قدر أكبر من الحرية للانخراط في العمل العام كمواطنات لهن حقوق ومسئوليات سياسية تجاه مجتمعاتهن. ولعل أحد أهم المداخل لفهم عملية التفاعل تلك هو من خلال فهم علاقة النساء بالمجال العام لما يتجلى من خلال دراساتها من علاقات تفاعلية بين أنماط ثقافية وتحيزات سياسية وخلافات قانونية كجزء من واقع وحراك سياسي واجتماعي تعيشه نساء هذا الوطن.

المشاركة السياسية

يمكن تعريف مبدأ المشاركة السياسية بالنشاط الذي يقوم به المواطنين والمواطنات بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي سواء كان هذا النشاط فرديا أم جماعيا، منظما أم عفويا. ويتضمن المفهوم قدرة المواطنين على التعبير العلني عن آرائهم ومواقفهم والتأثير في عملية صنع القرار إما من خلال خوض الانتخابات كمرشحات ومرشحين وتكوين النقابات والحركات بمختلف أنواعها أو من خلال انتخاب الأحزاب والأفراد للمجالس التشريعية والمحليات والنقابات وغيرها من الكيانات التمثيلية. إضافة إلي ذلك، تتبلور المشاركة السياسية حول أنشطة أخرى غير التي تم ذكرها، فأحيانا تعتبر اختيارات الأشخاص في حياتهم العامة والخاصة بمثابة التعبير عن موقف سياسي أو أيديولوجي ويجب اعتبار القدرة على هذا التعبير أيضا كأحد جوانب المشاركة السياسية في المجال العام والتي تتشكل حسب جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة. تلك العوامل تساعدنا في فهم وتحليل أحد أهم معايير الحياة السياسية وهو مبدأ المواطنة وهو القائم على فكرة المساواة بين أبناء الوطن بمن فيهم من رجال ونساء بغض النظر عن العمر أو النوع أو العرق أو أي اختلافات أخرى. ولكن بسبب تباين الفرص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية نجد أن المواطنين ليسوا متساوون بهذا الشكل، بل تفتقد بعض الفئات الموارد الاقتصادية والمعرفية والمقومات الاجتماعية التي تساعدهم على ممارسة حقوقهم كمواطنين متساويين يمارسون اختياراتهم الشخصية والفكرية دون إرهاب أو تخويف، فالفرد لا يستطع المشاركة سياسيا إلا إذا توافرت لديه وسائل حمايته. وتعتبر العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وما بين الأفراد وبعضهم البعض في المجالين الخاص والعام أحد المعايير لتحليل مستويات المواطنة والتي يحدد إطارها الدستور والقانون والأعراف الاجتماعية على حد سواء. وانطلاقا من هذا التعريف نجد أن المرأة في مصر تتراجع عن الرجل بشكل واضح فيما يخص حقوقها السياسية المرتبطة بالمجال العام وحقوقها الشخصية في المجال الخاص. فيبدو وأن الهياكل القانونية لحقوق المواطنة قد وضعت حول نوع مجتمعي واحد ولم تتضمن حقوق تمس واقع المرأة المجتمعي بشكل خاص، فهي هياكل لا تضمن مساواة في الإمكانيات المتوفرة بين الرجال والنساء ولكنها تعبر عن منظومة علاقات اجتماعية وسياسية وجنسية ترى المرأة على هامش الحياة العامة، ونفتقد لأدلة تشير إلى الرغبة في تغيير تلك الرؤية. وربما أصبحت المشاركة النسائية في السياسة أحد أهم معالم الخريطة السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير، وفي تلك المشاركة -التي تمثلت في المظاهرات والانتخابات سواء كناخبات أو مرشحات، وفي العمل الأهلي والتنموي والحزبي والحركات الاجتماعية ومجموعات الضغط- ظهرت بحدة أشكال التفاوت بين المساحات المتوفرة لحرية حركة وتعبير النساء وبين المساحات المتوفرة للرجال أثناء تأديتهم الأنشطة نفسها. ولفهم واقع النساء المصريات من المشاركة في المجال العام وقدرتهن على ممارسة حقوقهن الكاملة كمواطنات، لابد من نظرة متأنية لوضع المرأة في عدة محاور رئيسية.

وضع المرأة في دستور مصر الأخير (المعطل) وقانون الانتخابات

تناول وضع النساء في دستور مصر بعد ثورة 25 يناير يستلزم نقاشا مطولا ولكن لأغراض السياق الراهن يجب الالتفات إلى أمرين: وضع النساء في اللجنة التأسيسية للدستور وأثر الدستور على حقوق المصريات وحرياتهن في المجال العام. فالدستور الذي بدأت لجنته التأسيسية عملها في 30 نوفمبر 2012، كتب في أجواء سياسية محتدمة، استبقها الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه الرئيس المعزول محمد مرسى في 22 نوفمبر 2012 ليعطى لنفسه صلاحيات مطلقة من خلاله والتي أضفت أجواء عدائية حول عملية كتابة الدستور والاستفتاء على مواده. وفي تلك الأجواء تمت كتابة الدستور في غياب للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة والذي تجلى في غياب صارخ للتمثيل النوعي للمسيحيين والنوبيين والبدو ومجموعات عقائدية وعرقية أخرى مختلفة، بالإضافة إلى غياب واضح للنساء الغير تابعات للحزب الإسلامي الحاكم وقلة عدد من تم تمثيلهن حتى انتهاء فترة عمل اللجنة. فنسبة تمثيل المرأة في اللجنة التأسيسية للدستور كانت لا تتعدى الـ6%، ومن ثم غابت رؤى وتصورات النساء المصريات عن دستور مصر بعد الثورة، فضلا عن غياب الخبرات السياسية والقانونية والمجتمعية التي تمتلكها تلك النساء اللاتي خضن  تجارب طويلة في العمل السياسي وعلى دراية بالمشكلات الهيكلية التي تواجه نساء مصر. وبالتالي كانت نسب تمثيل التيارات الفكرية المختلفة محبطة للغاية في ظل استحواذ عضوات حزب الحرية والعدالة على ثلثي مجموع النساء في اللجنة. ويجب التنويه أن الإخفاق في ضمان تمثيل عادل للتيارات المختلفة بمن فيهم من شخصيات نسائية كان من الضروري لها أن تشاركن بقوة في كتابة دستور مصر ما هو إلا إشارة واضحة إلى ثقافة مجتمعية تمييزية تجاه مشاركة النساء السياسية على قدم متساوية مع الرجال، ويتضح ذلك إما في معايير اختيار أعضاء اللجنة أو التعمد في تقليص عدد العضوات بها. وكانت نتائج تقليص قدرة النساء على المشاركة في صياغة مواد الدستور هو أنها جعلت من دستور مصر بعد الثورة دستور "للرجال فقط". فالنص الدستوري المتمثل في المادة 33 بباب الحقوق والحريات والذي نص على أن "المواطنون لدى القانون سواء؛ وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك"، لا يكفي، ويرسم صورة زائفة للواقع. ولعل أحد الدلائل على غياب المساواة بين الجنسين هو أن تقلصت المواد الخاصة بالنساء في باب الحقوق والحريات من أربعة مواد في دستور 1971 إلى مادة واحدة في الدستور الجديد، كما اقتصرت الإشارات للمرأة في الدستور على ما يتصل بالبيت والأسرة ولم تتم الإشارة إلى حقوق المرأة في العمل العام سوى بالترابط مع دورها الأسرى وهو الدور الذي أعطاه أعضاء لجنة كتابة الدستور الأهمية الأكبر، ونرى ذلك متمثلا في المادة 10 والتي نصت على أن "تكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام". إضافة إلي ذلك، أتى الدستور الجديد ليذكر النساء "كمطلقات وأرامل ونساء معيلات" وكأن النساء المصريات مواطنات من الدرجة الثانية في حاجة إلى الرعاية الدائمة، متجاهلين أنهن شريكات في الوطن على قدم المساواة مع الرجال. كما تم قصر قضايا النساء في "الأطر الأخلاقية التقليدية التي اتفقت المجتمعات الأبوية على أن تكون هي الأدوات التي يتم بها تحديد أدوار للنساء" فلم يتم الإشارة إلى حقوق النساء في مختلف المجالات السياسية فلم يضمن الدستور نظام انتخابي يسمح بمشاركة نسائية أكبر، كما جاء بأطر مقيدة للحق في التنظيم مما يؤثر سلبا على قدرة النساء في التنظيم داخل النقابات العمالية أو المهنية أو غيرها من التنظيمات مما يحد من مشاركتهن في مجالات العمل ويحد من قدرتهن على الضغط من أجل ظروف عمل أفضل. وأخيرا وليس أخرا، ركز دستور مصر بعد الثورة على النساء وموقفهن من أشكال الاستغلال القسري والتجارة بالجنس والذي تمثل في المادة 73 بباب الحقوق والحريات الذي نص على أن "يحظر كل صور القهر، والاستغلال القسرى للإنسان،  وتجارة الجنس، ويجرم القانون ذلك." والإشكالية الأكبر تتمثل في وجود تلك المادة ضمن باب "الحقوق والحريات" بينما فرغ الباب ذاته من أي مادة حول حقوق النساء وحرياتهن وما في ذلك من تأكيد على عدم اعتماد تلك الوثيقة المساواة بين النساء والرجال وتمركز فلسفتها حول وضع ودور النساء الأخلاقي في تجاهل تام لدورهن كمواطنات لهن الحق في مجالات الحياة العامة والخاصة بعيدا عن الأحكام الأخلاقية والأدوار الجنسية والأسرية التي رأي أعضاء اللجنة التأسيسية أنها كافية لضمان حقوق المرأة في هذا المجتمع.

وفي امتداد لنفس البيئة الفكرية الاحتكارية تبلور قانون الانتخابات التشريعية والذي كتب بمشاركة نسائية لا تتعدى الـ3% كما أن تلك النسبة خلت من مشاركة النساء المتخصصات في المجالات السياسية والاقتصادية اللاتي لديهن خبرة واسعة في المجال التشريعي. وربما تساعد تلك النسبة وتركيبتها في فهم أحد الأسباب خلف صدور قانون انتخابات غافل عن حقوق النساء في التمثيل والعمل السياسي ومتجاهل العوائق التي تواجه المرشحات في خوض المعارك الانتخابية والانخراط في العمل العام. وفي ظل تلك التركيبة السياسية للمشرعين جاءت المادة الثالثة من قانون مجلس النواب والتي نصت على أن تحتوى كل قائمة مرشحة واحدة على الأقل دون تحديد موقعها من القائمة. وتمثل تلك المادة أحد أشكال التمييز الايجابي للمرشحات، إلا أنه تبين أنها لفتة رمزية، وأنها فشلت في تحقيق آلية تساعد المرشحات على المنافسة على قدم متساوية مع الرجال. وبتمرير تلك المادة ضرب المشرعون بعرض الحائط كافة مشاريع القوانين التي تقدمت باقتراحات إيجابية حول تحديد وضع النساء في النصف الأول من القائمة لمساواة فرص فوزهن بالرجال وضمان تمثيلهن لنسبتهن الحقيقية في المجتمع. ولذلك، يجب لفت الانتباه إلى الإشكاليات حول فكرة التمييز الإيجابي بشكل عام مع العلم بأن جدوى الآلية يعتمد على توفيق وسائل التمييز مع الواقع المجتمعي والسياسي. فمثلا نجد أن طريقة تطبيق كوته المرأة في الماضي أخفقت في التوصل إلى وجود نسائي داخل البرلمان بما يضمن تمثيل واقعي لفئات الشعب المختلفة حيث كان المستفيد الأول والأخير منها نساء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. كما أن الكوتة التي طبقت في برلمان 2010، تم تفريغها من معناها حين تم إضافة مقاعد مخصصة للنساء بالإضافة إلي عدد المقاعد البرلمانية الأساسية. أما الدفاع عن موقف إلغاء تلك الحصص المخصصة للنساء في أول برلمان بعد الثورة فتم تبريره بحجة أن المواطنين كلهم متساويين في الحياة السياسية ولا يحق لأحد أن يميز بقانون عن الآخر. وعلى الرغم من ذلك نجد أن المقاعد المخصصة للعمال والفلاحين أي كوتة العمال والفلاحين- رغم أنها كانت ضمن الأحكام الانتقالية للدستور والذي يعنى استمرار تطبيقها لمدة دورة برلمانية واحدة- قد وجدت مكانا لها في الدستور على عكس وضع المرأة الذي ألغى تماما وما في ذلك من إخلال لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. إضافة إلي ذلك، فالنساء اللاتي ترشحن تبعا للنظام الفردي والذي مثله ثلث مقاعد البرلمان وجدن صعوبة في الفوز والتنافس، خاصة بالنسبة للمرشحات اللاتي لا يتمتعن بدعم مالي أو جماهيري أو خبرة في خوض الانتخابات البرلمانية. و كان أثر مجمل تلك العوامل هو أن عدد عضوات البرلمان لم تتعدى الإحدى عشرة عضوه وعدد عضوات مجلس الشورى لم يتعد الثمانية، من أصل 270 عضوا. وبالتالي نجد أن قانون الانتخابات التشريعية ككل فشل في توفير العوامل الملائمة لخوض النساء الانتخابات، خاصة وأن معظمهن كانوا يخوضونها للمرة الأولى. وغياب المشاركة النسائية المتساوية   لم يكن مشكلة في المؤسسات التشريعية فحسب، ولكن كان انعكاسه جليا على ظروف النساء في حياتهن اليومية حيث نجد أن وضعهن في سوق العمل مثلا لا يزال أكثر ترديا من وضع العاملين الرجال متمثلا في مفارقة واضحة بين أجور العاملات والعاملين. كما تفتقد العاملات الأمهات لتعاون جهات العمل بالرغم من وجود قانون يلزم بتوفير حضانات للأطفال في مكان العمل. هذا فضلا عن وقائع التحرش الجنسي التي تتعرضن لها العاملات في جهات العمل المختلفة. ونتيجة لذلك ولأسباب عديدة أخرى منها عدم وجود تمثيل نسائي كاف في النقابات العمالية والمهنية في مواقع صنع القرار، نجد أن سوق العمل الرسمي في مصر يعانى من إحدى أقل النسب لتمثيل النساء وهى النسبة التي لا تتعدى الـ23%. ويتحتم الإشارة في هذا الموضوع إلى وضع النساء في سوق العمل الغير رسمي أيضا، والذي يتجاهله قانون العمل حيث أن أحد أهم سماته عدم تمتع صاحبات المهن غير الرسمية بالأمان الاجتماعي والاقتصادي لعدم حصولهن على عقد عمل أو تأمين اجتماعي وصحي يضمن لهن ولأسرهن حياة كريمة، فالنساء العاملات بسوق العمل الغير رسمي لا يتمتعن بأي غطاء قانوني يحميهن، كما أن الدراسات تشير إلى أن حصول النساء على أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجال في سوق العمل الغير رسمي، لا يعتمد فقط على تركزهن في مهن ﺘﻘﻊ ﺃﺴﻔل ﺍﻟﺴﻠﻡ الوظيفي، ولكن في ذلك إشارة أيضا إلى ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺯ ﺍﻟﻘﺎﺌﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻭﻉ، والذي لا يتصدى القانون له بأي شكل من الأشكال وإن كان كل هذا يدل على شيء فهو يدل على ضرورة توفير وتقنين الحق في التنظيم، والعمل على إطلاق قانون الحريات النقابية والذي قد يتيح المساحات لتشمل حقوق النساء العاملات في المجالين الرسمي والغير رسمي والذي تعنت نظام الإخوان ضده في محاولة لبسط سيطرته على الفئة العمالية المصرية، النساء ورجال. فهناك ضرورة لانعكاس الحاجة لتمثيل نسائي أكبر في المؤسسات التشريعية لما تخرجه من قوانين تمس الحياة العامة للمواطنات، بالإضافة إلى تواجدهن الفعال في النقابات والمحليات. وبالتالي نجد أن قانون الانتخابات والقوانين الخاصة بالتنظيم النقابي، وغيرهم من القوانين المتعلقة بممارسات الحياة العامة، ينتقص من النساء فرصهن في المشاركة في الحياة السياسية، ويستبعدهم عن المنظومة التشريعية والتي تعيد إنتاج قوانين تفتقد لرؤية النساء المصريات وما لذلك أثر في ترسيخ المفاهيم الاجتماعية المعيبة عن دور المرأة و حقها في المشاركة في كافة المساحات العامة. وتتبلور تلك المفاهيم في عدة أشكال وأحيانا تأتى بردود فعل عنيفة ضد النساء المشاركات في الأنشطة السياسية العامة مثل المظاهرات والاعتصامات أو في صورة تفعيل قوانين مضرة بالنساء وغافلة عن واقعهم الاجتماعي والأمني. وأحد أمثلة تلك القوانين المضرة بتواجد النساء في المجال العام كان قانون الضبطية القضائية للمواطنين الذي كان قد أعلن النائب العام السابق المستشار طلعت عبد الله عن بداية العمل به. 

وبالتالي تتطلب المرحلة الجديدة التي نعيشها خطوات فعالة لضمان إدماج منظور وقضايا النوع الاجتماعي في كافة هياكل وسياسات الدولة بدءا من إقرار دستور يضمن مساواة بين الرجال والنساء والعمل بالتوازي على ما يضمن وجود تمثيل عددي ولقضايا النساء والنوع الاجتماعي بكافة الحقائب الوزارية خاصة في مواقع صنع القرار ومناقشة السياسات وبالمؤسسات التشريعية والتي تعمل على بلورة قوانين الانتخابات وقانون ممارسة الحقوق السياسية واللذان يؤثران بشكل مباشر على المساحات المتاحة للنساء للمشاركة على قدم المساواة مع الرجال في الحياة السياسية. كما يجب أن نرى تمثيلا قويا لنساء مصر بمختلف اتجاهاتهن ضمن لجنة تعديل الدستور والتي عليها أن تخرج بدستور حساس للنوع الاجتماعي ومشتبك مع واقع النساء كمواطنات متساويات وليس فقط كأمهات ومعيلات أو عاملات بالجنس. كما يتوجب العمل على تفعيل آليات لإدماج النساء في الحياة السياسية العامة بما يضمن حساسية للواقع الاجتماعي المختلف الذي تعيشه النساء بدرجات متفاوتة وتفعيل سياسات تتماشى مع متطلبات وتحديات هذا الواقع. كما تأتي المرحلة الانتقالية بتساؤلات حول وضع النساء الأمني والخطوات التي تستعد الحكومة لأخذها لتفعيل وحدات مكافحة العنف داخل الأقسام ومراعاة الجانب الأمني وكيفية تأثيره على فئات شعبية بعينها ضمن السياسات والقرارات الصادرة عن الوزارات، خاصة وأن أسبوع مظاهرات 30 يونيو قد شهد حالات اعتداءات جنسية جماعية بمختلف درجاتها وتم رصد على الأقل 186 حالة في نطاق ميدان التحرير وحده في تجاهل صارخ من قبل السلطات المعنية والجهات الداعية للنزول والاحتشاد.

وضع المرأة في قانون الأحوال الشخصية

يعد قانون الأحوال الشخصية  من أهم القوانين التي يجب التطرق إليها ضمن هذا السياق وذلك لأنه القانون الذي يمس بشكل مباشر حياة كل من امرأة ورجل وطفل، أي هو القانون الذي تخاطب به الدولة مجال الأسرة وتقوم بتقديم خطابها من خلاله عن قيم المجتمع. ويمكن رؤية نظرة الدولة لمركزية دور مؤسسة الأسرة من خلال المادة 10 والتي نصت على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية". ولأن وضع المرأة في المجال العام على صلة مباشرة بوضعها في المجال الخاص لما يحمله الأخير من قوة في تشكيل نوع الحياة ونوع الخبرات التي تتعرض لها النساء في حياتهن اليومية والتعليم الذي يحظين به والحقوق الزوجية المتاحة لهن والتي تضع لهن إطارا مجتمعيا للسعي وراء طموحات خارج دورهن كأمهات وزوجات، فيجب التطرق لوضع النساء في قانون الأحوال الشخصية لما يوفره من أداة تحليلية لفهم المساحات الخاصة التي تسعى الدولة لتنظيمها من خلال أنماط وقيم ثقافية واجتماعية مختلفة.

وعلى الرغم من أن معظم أنواع القانون المصري من المفترض أنها قد مرت بعملية تدريجية من الانفصال عن شكل المحاكم الشرعية عند نهاية القرن التاسع عشر إلا أن الأحكام القانونية الصادرة عن المحاكم المصرية في حالة اشتباك وإعادة إنتاج للواقع الاجتماعي المحافظ والذي تعد التعاليم والتقاليد الدينية المحافظة مجتمعيا أحد أعمدته، بحيث تصبح الثقافة المجتمعية المحافظة المغلفة بأطر دينية جزء من النسيج الاجتماعي الذي تفصل فيه تلك القوانين والتي تستمد منها الكثير من أحكامه. وفي الوقت نفسه نجد أن قانون الأحوال الشخصية قد شهد وتيرة انفصال أقل حدة من فروع القوانين الأخرى. وتوجب قراءة هذا القانون من خلال التطورات الاجتماعية والسياسية التي أثرت على طرق ومعايير استخدام المذاهب الفقهية الأربعة، بحيث تتباين أشكال مرجعية قانون الأحوال الشخصية على حسب قراءات المذاهب المختلفة بالإضافة إلى العادات والأنماط الاجتماعية السائدة، والتي تتشكل نتيجة لواقع سياسي. وبهذا الشكل، توجب قراءة قانون الأحوال الشخصية بعيدا عن كونه مجموعة من التشريعات الدينية الثابتة، ولكنها نتيجة لتفاعلات بين أنماط دينية واجتماعية، أثرت عليها صراعات قوى تبنت أطرافها أيديولوجيات مختلفة، ونتجت عنها أشكال مختلفة للقانون تختلف في الدول الإسلامية الأخرى. من هذه النقطة يجب توضيح أمرين وهما أن قانون الأحوال الشخصية كما هو محكوم بمبادئ دينية فهو أيضا محكوم بمبادئ مجتمعية، يتأثر بها وله دور في إعادة إنتاجها. والأمر الثاني هو أن قانون الأحوال الشخصية كغيره من القوانين له أبعاد سياسية تختلف مع طبيعة نظام الحكم، وما لذلك أثر في تشكيل المجال الخاص الذي ينظم الشئون الخاصة للمواطنين. والدولة المصرية في عصورها المختلفة كانت دائما ما تتوخى الحذر عند التدخل في تغيير القانون، خاصة حينما تأتى تلك التدخلات بمساحات أوسع لحقوق المرأة في شئون الزواج والطلاق والميراث والوصاية على الأطفال. وربما يتمثل ذلك الحذر في عدة أسباب منهم الطبيعة الاجتماعية والسياسية المحافظة لدى الحكام والقطاعات الأكبر من المواطنين، ومحاولات للتوازن بين القوى الإسلامية المحافظة من جهة وقوى مدنية من جهة أخرى تطالب بتعديلات بالقانون لضمان حقوق وحريات أوسع للنساء. وبالتالي استمر التمييز للكثير من الفتيات والزوجات والأمهات المصريات وتعرضهن لأشكال متباينة من العنف والاضطهاد في المجالات الخاصة والتي يجب أن يُنظر لها كأحد العوامل المركزية المعيقة لتقدم النساء للمشاركة في العمل العام والمشاركة السياسية على وجه الخصوص.

ولكن رغم هذا التضييق إلا أن بعض المنظمات النسائية نجحت في تمرير عدة تعديلات مهمة على القانون. ومن أهم هذه التعديلات كان قانون الخلع الذي مرر في عام 2000 بعد معارك طويلة خاضتها المدافعات عن حقوق المرأة من ناشطات سياسيات وقانونيات ومتخصصات في الشريعة والقانون الإسلامي، ضد أجهزة الدولة والمجموعات الدينية الأكثر تشددا. وتضمنت تلك التعديلات أيضا قانون الوصاية على الأطفال رقم 25 لعام 1929 والذي أعطى الأم المطلقة الحق في تربية أطفالها حتى سن الخامسة عشر بدلا من سن العاشرة للبنين والثانية عشر للبنات. وأخيرا رفع سن الزواج إلى 18 سنة بدلا من 16 لإعطاء الفتيات فرص أكبر في التعليم واكتساب الخبرات الحياتية خارج تحديات ومسئوليات العلاقات الزوجية. وفي تلك التغيرات تتضح ضرورة سد الفجوة بين الحقوق التي يقرها قانون الأحوال الشخصية للمرأة والواقع الثقافي والاجتماعي المتغير الذي يستلزم قوانين جديدة للتعامل مع هذا الواقع. إضافة إلي ذلك، لازالت تحتاج قوانين الأحوال الشخصية، وحتى النصوص الجديدة منها، إلى رؤية شاملة ناتجة عن حوار مجتمعي مع الفئات التي لها تعامل مباشر مع القانون وتتأثر به، حتى يتم التعرف على واقع الحياة الأسرية والزوجية الأكثر تضررا منه. كما يتوجب العمل على تقصير فترات التقاضي والتي ينتج طول مدتها عن تهرب الأزواج من أداء الأحكام، خاصة في ظل ثقافة الفساد وأبوية النظام التي تعمل خلالها مؤسسات الدولة المختلفة. فعلى سبيل المثال وجد أنه نتيجة لعدم وجود عقوبات رادعة للأزواج الذين لا يقومون بسداد النفقة لزوجاتهم، مفضلين الحبس على عدم سدادها، هو أن عدد قضايا الحبس ازدادت من 3849 قضية في عام 2006 بالقاهرة إلى 5378 قضية في 2007 فقط. و في الريف يتكرر السيناريو ذاته حيث ارتفعت حالات الحبس في المناطق الريفية في عام 2006 من 717 قضية لتصل إلى 1134 قضية في 2007.  نظرا لمركزية الجانب المادي في خلق فرص للزوجات والأمهات للسعي وراء غاياتهن وطموحاتهن خارج نطاق العمل الأسرى، فمن المهم تبنى قوانين بديلة تسمح بتقسيم متساو للثروة الزوجية خاصة ليتم العمل بها في حالات الطلاق والطلاق التعسفي والغيابي للاقتراب من تصور أكثر مساواة بين الطرفين و للسماح للنساء بإمكانيات أكبر لتحقيق طموحاتهن خارج العلاقات المنزلية.

ولكن الصراعات حول قانون الأحوال الشخصية لم تنته بعد، وكنا نجد توجهات من القوى الإسلامية لإلغاء العمل بها رغبة في إعادة أساليب التحكم الأكثر تشددا في تحركات واختيارات الفتيات والنساء. وتمثل الخطر الرئيسي في  النظام الإسلامي السابق في تمكنه من تقنين رؤيته حول قانون الأحوال الشخصية بسبب سيطرته على المجالس والمؤسسات التشريعية، والذي يعامل كل ما تم تحقيقه من مكاسب في حق النساء المصريات وكأنه لم يكن، بكل ما يعنيه ذلك من تقلص فرص المرأة في المشاركة السياسية. وبالتالي نجد أن الربط بين أحوال المرأة الشخصية في المجال الخاص وقدرتها على إثبات نفسها والسعي خلف مطالبها ورؤيتها في المجال العام، من أهم الخطوات التي يجب أن تؤخذ من أجل دراسة واعية عن سياسات النظام  التي تمنع النساء من الوصول لمراكز صنع قرار من خلال مشاركتهم السياسية في شتى المجالات العامة.

ولأن قانون الأحوال الشخصية قائم على نظرية القوامة المطلقة للرجال على النساء، دون النظر إلى المعنى الشامل أو الأكثر رحابة لهذا المفهوم فبالتالي تصبح أحد أهم الأعمدة التي يجب مناقشتها هو مفهوم "السلطة" في قوانين الأسرة المصرية. وبالتالي نجد تكرارا لتصوير المرأة على أنها في حاجة للرعاية والوصاية مما يصب في قراءات تقليدية عديدة بخصوص قدرة المرأة وحقها في الانخراط في العمل السياسي بعيدا عن سيطرة الزوج. ويعتبر مفهوم "المساواة" بين الجنسين مفهوم معاصر ويواجه إشكاليات عدة في علاقته بالفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية الحالي. فبعيدا عن مفهوم "المساواة" و تأكيدا على فكرة "القوامة" نجد تفاوت في التشريعات والقوانين مثل حق الرجل في تعدد الزوجات والطلاق ونصيب المرأة الأقل في الميراث. إضافة إلي ذلك، وفى استنكار لفكرة المساواة تلك، تواجه النساء المنخرطات في المجال العام صعوبات عدة، فمثلا القاضيات المصريات لم يتعدى عددهن 31 قاضية حتى عام 2007 ويواجهن تمييزا واضحا ضد مشاركتهن في المناصب القضائية المتمثلة في المحاكم الجنائية والمحكمة الدستورية العليا، باستثناء قاضية واحدة وهى المستشارة تهاني الجبالي والتي عينت بقرار جمهوري في 2007. كما تم التصويت في 2007 بـ334 صوت مقابل 42 صوت على رفض مشاركة القاضيات في مناصب بمجلس الدولة وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط القضائية حول مدى رغبة النظام في معاملة المرأة القاضية على قدم مساواة مع القضاة الرجال وتمكينهن من صعود السلم القضائي بدلا من اللجوء لتعينهن بقرارات رئاسية. وفي أحيان كثيرة، نجد أن المرأة تُعاق من العمل كقائدة سياسية سواء كان ذلك في الأحزاب السياسية أو النقابات أو الحركات وربما يرجع ذلك إلى مفاهيم ثقافية لا تتضمن تصور لمكان المرأة في المناصب السياسية العليا. باختصار، فالنساء المصريات يجدن صعوبة بالغة في شغل مناصب صنع القرار أو الوصول لها سواء بسبب التشريعات القانونية العامة أو بسبب تشريعات الأحوال الشخصية، والتي تعيد إنتاج مفاهيم مجتمعية سائدة تحد من حقهن في أن يكن أفراد أحرار كاملات الإرادة، غير محققين في ذلك مبدأ المساواة. وربما يصبح الخروج من هذه الأزمة ممكنا فقط من خلال خلق مساحات معرفية جديدة تنبثق من داخلها الأصوات النسوية التي تعمل على إعادة قراءة و تعديل التقاليد القانونية من الداخل.

الخاتمة

إن المجال العام في طريقه لأن يصبح الساحة الرئيسية لممارسة السياسة في مصر ودول المنطقة خاصة بعد موجة الثورات التي شاهدتها ولما لذلك من أثر على فاعلية مؤسسات الدولة المتمثلة في قدرتها على احتواء العملية السياسية من خلال خلق مساحات مشروعة لممارسة الضغط بين مجموعات الشعب المختلفة. فنجد أن صراع القوى السياسية والاجتماعية قد انتقل من تحت عباءة المؤسسات إلى تفاعلات بين مجموعات الشارع المصري المختلفة حيث أصبح البقاء لمن يستطع الهيمنة على تحركات الشارع بشكل رئيسي. وفي هذه الأجواء يصبح تضييق المجال العام أحد المخاوف الرئيسية لتلك المرحلة والتي تخلو من أي ضمانات لمشاركة جميع الأطراف بمساواة. وبالنسبة للمشاركة النسائية على وجه الخصوص، فنرى في حقها تكثيفا للجهود التي تؤدى بأشكال متنوعة إلى تقليل الحماية المتوفرة لها، إما من خلال قوانين فضفاضة تصعب على النساء مقاضاة من أجرم في حقهن، فعلي سبيل المثال، لازالت أجهزة الأمن تفتقد القدرة أو الرغبة في ملاحقة ومعاقبة المتحرشين والمعتدين سواء كان ذلك أثناء في سياق مظاهرات حاشدة أو خارجها. أو بواسطة ترسيخ مفاهيم ضيقة عن دور المرأة في المجتمع بما يتضمنه ذلك من مهاجمة القوانين التي نصت عكس ذلك وعدم العمل بجدية على إدماج النساء في كافة مستويات وفروع الحياة العامة والسياسية. إضافة إلي ذلك، تصبح النساء أكثر عرضة للهجوم حين تصبحن أداة محصورة بين الفصائل السياسية المختلفة من أجل الرغبة في التأكيد على قيم أو توجهات إيديولوجية معينة. وبالتالي يجب اعتبار قضية تواجد النساء في المجالات السياسية العامة، قضية هيكلية تمس جموع المنظمات الفاعلة في الدولة، ابتدءا من منظمات المجتمع المدني والطرق التي تتناول بها قضايا مشاركة المرأة السياسية، مرورا بدور الأحزاب في تنمية ومساندة الكوادر النسائية بداخلها والدفع بهن في مواقع صنع القرار، انتهاء بدور مؤسسات الدولة المختلفة في ضمان تمثيل عددي للنساء ولقضاياهن داخل الهياكل الحكومية وفي القرارات الصادرة عنها. وبالتالي التعامل مع قضايا النساء يجب أن لا تتوقف عند تحليل الإحصائيات والأرقام ولكن يجب أن تناقش المنظومة بأكملها، مع العمل على خلق وإدماج مساحات نسوية ممكنة لها دور فعال في تشكيل الهيكل السياسي والاجتماعي نفسه وقادرة على الدفع بقضايا بعينها كأولويات للحكومة والرئاسة مثل قضايا العنف وإعادة هيكلة وزارة الداخلية بما يشمله ذلك من إقرار قوانين وأساليب معاملة حساسة للنوع الاجتماعي وتفعيل لجان العنف ضد المرأة في الأقسام والإفصاح عن لوائحها ووظائفها.

وفي النهاية يجب التأكيد على تنوع أشكال المشاركة السياسية واتساعها لتتضمن قدرة النساء على نقد واقعهن والتعبير عن تصوراتهن للمجتمع الذي يمثلن نصفه، بحيث لا تختزل مشاركتهن في المقاعد والمناصب ولكن تتسع لتشمل قدرتهن على تشكيل خطاب يتناول قضاياهن ويشتبك مع هياكل الدولة المختلفة، بحيث يصبح تواجدهن في المجال العام تواجد سياسي في حد ذاته، حتى وإن كان ذلك فقط ليناهض عملية تسييس المجال العام التي قد أخذت مجراها بقوة في العقود الماضية و تستمر حتى  هذه اللحظة.

رابط دائمhttp://www.nazra.org/node/249